وجهة نظر: الإحصاءات الاقتصادية... الأهمية والمشاكل

  • 6/10/2024
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تؤدي الإحصاءات الاقتصادية دوراً جوهرياً في سلامة اتخاذ القرارات الاقتصادية، ومن دون توفرها، على أسس مستمدة من أدلة معتمدة دوليا، فإن هذه القرارات قد تكون محل تساؤل، وذات أثر عكسي على أداء الاقتصاد. لذا فإن مهمة إنشاء، أو تعزيز، الإدارات المركزية للإحصاء، واختيار العاملين فيها على أسس مستقلة، ومهنية، ومهنية فقط، هو أحد أهم الشروط المسبقة لأي برنامج إصلاح هيكلي. وكمثال على أهمية عنصر الكفاءة في الأجهزة الإحصائية، عينت الشقيقة المملكة العربية السعودية رئيس المكتب الإحصائي الأسترالي السابق، عضواً في مجلس إدارة الهيئة العامة للإحصاء، وتم التجديد له بداية هذا العام لثلاث سنوات. وسبقه تعين مدير الإحصاء النمساوي، مديرا للهيئة، لثلاثة أشهر عام 2020. لماذا تعتبر البيانات والمعلومات الاقتصادية مهمة لمتخذي القرارات؟ لأن استخدام البيانات الحديثة، وعلى الأسس المشار اليها أعلاه، ينتج عنها قرارات موضوعية Objective، تخدم التوصيف الحقيقي لواقع المشاكل الاقتصادية. وفي غيابها تعتمد القرارات على أحكام شخصية Subjective، ولا تعكس بالضرورة واقع المسار الاقتصادي، ومن ثم قد تحيد القرارات عن إصلاح هذا المسار. وفي حالة دولة الكويت، فقد تم تأسيس الإدارة المركزية للإحصاء بالقانون رقم 27 عام 1963، أي بعمر 61 سنة الآن. وتعتبر الإدارة «المرجع الإحصائي الوحيد بالدولة»، حسب ما ورد في المادة الأولى من هذا القانون. وتساهم الإدارة، مشكورة، بنشر العديد من إحصاءات المتغيرات الاقتصادية، وعلى رأسها المجموعة الإحصائية السنوية، آخر إصدار سنة 2020. كما تصدر، على موقعها إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي، بالأسعار الجارية والثابتة، آخر إصدار للربع الثالث 2023، حتى كتابة هذه المقالة. بالإضافة الى نشر إحصاءات التضخم شهريا، والإحصاءات التجارية والزراعية، والإحصاءات الاجتماعية والخدمات، وتقديرات السكان حتى أوائل 2024، وقوة العمل محدثة كل ستة أشهر. وغني عن البيان فإن تجميع، وتنقيح، وتصنيف، ونشر الإحصاءات الاقتصادية ليس بالأمر اليسير، إنما يحتاج الى قدرات فنية وإدارية تنافسية، وتوفير الاحتياجات اللازمة لذلك، واعتمادا على الأدلة المعتمدة دوليا. ومن وجهة نظر المستخدمين الاقتصاديين للإحصاءات الاقتصادية للدولة، فما زالت هناك فجوات إحصائية مطلوب سدها لتغطية احتياجات الباحثين الاقتصاديين، ومتخذي القرارات. ولا تعني الإشارة لهذه الفجوات أن الإدارة المعنية هي المسؤولة بالكامل عن ذلك، بل قد تكون هناك مجموعة من الأسباب خارج سيطرة الإدارة، والتي لا تمثل محل الاهتمام هنا، بل المهم هو توفير البيانات والمعلومات على أسس سليمة ودائمة التحديث. وسنورد عددا من الإحصاءات المطلوب توفيرها ونشرها رسميا، أو تحديث القديم منها. وعلى رأس هذه الإحصاءات الناتج المحلي الإجمالي الربعي والمتوفر حاليا، كما أشرنا لغاية الربع الثالث من العام السابق، والمطلوب، كما هي الممارسة في إدارات الإحصاء للدول المتقدمة، لغاية الربع الأول من عام 2024 (انظر موقع مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي، علما بأن عدد الولايات الأميركية هو 50 ولاية). سبق وأن تشرف كاتب المقال برئاسة فريق لتحويل الحسابات القومية بدولة الكويت من نظام 1968 الى نظام 1993، أثناء عمله بإحدى المنظمات العربية المتخصصة. ومن الإحصاءات المهمة المطلوب توفيرها، أو تحديثها ونشرها، على سبيل المثال لا الحصر، هي (أ) الناتج المحلي الإجمالي حسب الملكية (قطاع عام وخاص)، (ب) الاستثمارات (عام/ خاص)، لتتسق مع ما ترمي اليه الخطط والبرامج الحكومية من قيادة القطاع الخاص لجهود التنمية. (ج) كما أنه من المهم عودة تقديرات الناتج المحلي الإجمالي بطريقة الدخل (الناتج = الأجور + الفوائد + الإيجارات + الأرباح)، والتي توقف إصدارها سنين عديدة. (د) كما أن تقديرا ت نفس الناتج بطريقة الإنفاق (الناتج = الاستهلاك الحكومي + الاستهلاك العائلي + الاستثمار الخاص + الاستثمار العام + التغير في المخزون + الصادرات – الواردات) متوافرة لغاية عام 2019. علما بأن هذه التقديرات الأخيرة هي محل تساؤل دائم من ممثلي صندوق النقد الدولي، ووكالات التصنيف الائتماني. (هـ) وهناك مسوحات البحوث المنشآت المختلفة السنوية (الصناعية، والبناء والتشييد، والجملة والتجزئة، والهيئات التي لا تهدف للربح، والهيئات غير المالية) والمتوافرة لغاية عام 2019. (و) توفير تقديرات لـ (رصيد Stock) رأس المال، أي ما تملكه الدولة في تاريخ معين، من أصول على شكل مكائن وعدد وآلالات ومنشآت ووسائل نقل، وهي الإحصاءات الغائبة كليا، رغم أهميتها للنماذج الاقتصادية الكلية، خصوصا المرتبطة ببرامج الإصلاح، وغيرها من الاستخدامات المهمة. وللأسف الشديد يتم أخذ الاستثمار كبديل عن رصيد رأس المال، أحيانا، وهو خطأ مهني يترتب عليه الكثير من الأخطاء بالنتائج، خصوصا في مجال السياسات. وإذا ما كان هناك من مقترحات لتطوير الإحصاءات الاقتصادية فيمكن الإشارة الى التالي (أ) تطعيم الإدارة المركزية للإحصاء بخبرات دولية، كما هو الحال في مثال المملكة المشار اليه أعلاه. (ب) عقد اجتماع سنوي بين (الفنيين والمهنيين) المستخدمين للبيانات الاقتصادية، ومنتجي هذه البيانات (الإدارة)، لتوفير الاحتياجات، والاستماع للملاحظات. (ج) توفير سلاسل زمنية طويلة، باستخدام برنامج أكسل، على أساس ربع سنوي وسنوي، لجميع المتغيرات الاقتصادية وضمن موقع فرعي منفصل، (د) توفير صيغ الكترونية لكل الأدلة، على موقع الإدارة، الخاصة بالتعامل مع تركيب مختلف المتغيرات الاقتصادية. (هـ) العمل، وبدعم من الجهات ذات العلاقة، على توفير البيانات غير الصادرة، وتحديث المنشور منها. وأخيرا، فإن الإدارات المركزية للإحصاء لا تعتمد فقط على مدخلات تكنولوجبا المعلومات، رغم أهميتها، إلا أن مخرجاتها ذات علاقة وثيقة جدا بالاقتصاد واحتياجاته من المعلومات والبيانات.

مشاركة :