يعتبر كتاب بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب للشيخ العلامة البغدادي محمود شكري الألوسي (1273-1342ه) من أفضل الكتب المؤلفة في بابه والتي أصبحت مرجعاً للباحثين والدارسين؛ ولأن لتأليف هذا الكتاب قصة لطيفة لما تتضمنه من مفارقة ومعانقة ثقافية بين الشرق والغرب، وددت أن أنقلها إلى القراء الكرام بعد اطلاعي على بعض تفاصيلها من خلال رسائل الألوسي المنشورة في كتاب (بدائع الإنشاء ويليه رياض الناظرين في مراسلات المعاصرين، الرسائل المتعلقة بقطر وأعلامها) الذي حققه خالد بن محمد بن غانم آل ثاني. فقد ذكر الألوسي أنه ورده كتاب باللغة الإفرنجية ومعه بيان باللغة العربية عنوانه (جوائز الملوك ملوك الجوائز)، فيه أن ملك دولة السويد والنرويج أسكار الثاني (1829م-1907م) نظراً لعنايته بالعلم وأهل العلم من أي جنس وعلى أي معتقد؛ رأى أن يقدم جائزة لمن يؤلف كتاباً في تاريخ العرب قبل الإسلام، بشرط اشتماله على بيان عوائدهم ومجتمعاتهم وحروبهم وأفراحهم وأعيادهم ومعتقداتهم ومتعبداتهم وسائر أحوالهم في ذلك الزمان، مع إقامة الأدلة الكافية والإتيان بالمستندات اللازمة لإثبات كل تلك الأمور بالتفصيل. وقد عيّن ملك السويد والنرويج للنظر في ذلك لجنة من كبار المستشرقين في أوروبا، وحدد آخر شهر يناير سنة 1888م موعداً أقصى لتقديم المؤلفات ومن حكمت اللجنة بأفضليته فهو صاحب الجائزة. فيما كان الكتاب الذي باللغة الإفرنجية كما أشار كتاب من الملك أسكار مؤرخ في يناير 1886م يوضح موضوع الجائزة ومقدارها الذي حدده ب( 1787) فرنقاً، ونيشاناً ذهبياً قيمته (1430) فرنقاً، وصورة الملك منقوشة على إحدى صفحتيه، أما الصفحة الثانية: فمنقوش عليها اسم المؤلف الحاصل على الجائزة واسم مؤلفه، كما ذكر أعضاء اللجنة وهم: وزير المعارف في النرويج، وعدد من مشاهير مستشرقي أوروبا وهم فليشر ، ونولدكه، ودي غون ، ريط ، وغويدي ، وتيجنير ، وزوتمبرج ، وأخيراً الكونت السويدي كارلو دي لندبرج والذي عين كاتماً لأسرار اللجنة. وقد أعلن عن هذه الجائزة في الصحف في حين نشرت اللجنة شروط المشاركة وطلبت من المؤلفين أن يقدموا مؤلفاتهم لقنصل دولة السويد والنرويج في البلد الذي هو به، ويطلب منه إرساله إلى الكونت لندبرج. كما أعلنت مطبعة بريل في ليدن بهولندا عن تعهدها بطباعة الكتاب الفائز على نفقتها مع دفع مبلغ (1250) فرنقا ًللمؤلف عن كل 16 صحيفة من الكتاب في حين عبرت عن استعدادها لطبع الكتاب المتميز ولو لم يفز بالجائزة ولكن دون دفع شيء للمؤلف. بعد وصول الخبر للألوسي تردد في المشاركة والتأليف خشية أن يقال إنه ألف كتابه طمعاً في الجائزة، غير أن بعض رفاقه شوقوه إلى الاشتغال بهذا الموضوع المهم لإعلاء شأن العرب وصرفوا نظره عن تلك الخواطر، فكتب كتابه الحافل في أقل مدة وأرسله مقروناً برسالة جميلة ختمها بأبيات ابن رشيق البغدادي: إن الذي صاغت يدي وفمي وجرى لساني فيه أو قلمي مما عنيت بسبك خالصه واخترته من جوهر الكلم لم أهده إلا لتكسوه ذكراً يجدّ به على القدم فاقبل هدية من شدت به ونسخت عنه آية العدم ليرد للمؤلف جواباً يفيد بوصول الكتاب بتوقيع لندبرج مؤرخ في 4 يوليو 1887م أي بعد سنة ونصف من الإعلان عن الجائزة ثم إن اللجنة اتفقت على فوز كتاب (بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب) بالجائزة، ليرسل الملك السويدي النيشان والجائزة ومعهما كتاب بالثناء قد شحنت بالبلاغة سطوره مؤرخ في 12 ربيع الأول 1307ه. وقد حظي كتاب الألوسي (بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب) بعد ذلك بالانتشار والقبول في الشرق والغرب، فطبع بمطبعة دار السلام ببغداد سنة 1314ه، ثم في القاهرة 1343ه بتحقيق محمد بهجة الأثري، ثم طبع للمرة الثالثة في القاهرة 1959م، كما عمل على ترجمته للغة التركية كل من أحمد عزت الفاروقي وعبدالحميد الشاوي.
مشاركة :