د.محمد عناني: شخصياته تتجول بيننا

  • 4/23/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يعد د. محمد عناني ـ شيخ المترجمين ـ أحد أبرز من ترجم أعمال وليم شكسبير إلى اللغة العربية، وقد ترجم الأعمال الكاملة للشاعر الإنجليزي الكبير، التي صدر منها حتى الآن 24 عملاً، وتبدو العلاقة بين د. عناني وتراث رائد الكتابة المسرحية في العالم علاقة أصيلة امتدت لأكثر من خمسين عاماً. * أنت مغرم بشكسبير وتجربته الإبداعية ما أسباب ذلك؟ ــ علاقتي بأعمال شكسبير ترجع لسنوات طفولتي، فأنا مرتبط بأعماله منذ فترة مبكرة، ما كان له أثر كبير في حياتي، وكانت إحدى أمنياتي هي نقل هذا التراث الإنساني إلى القارئ العربي، فترجمت كثيراً من أعماله الأساسية مثل تاجر البندقية وحلم ليلة صيف والملك لير وهاملت ودقة بدقة التي حصلت بها على جائزة رفاعة الطهطاوي عام 2014 من المركز القومي للترجمة، وقد وصل عدد ما ترجمته لرائد الأدب الإنساني الحديث 24 مسرحية، ومن آخر ما ترجمته السونيتات وهذه السونيتات من أهم أشكال الشعر الذي يتميز بشكله الغنائي، والذي كان منتشراً في عصر شكسبير في أوروبا، وكان يكتبه كبار شعراء ذلك العصر. وظل هذا الشكل سائداً في القرون الوسطى. ومع ذلك ظل لتجربة شكسبير شكل الريادة، نظرا لدرامية أعماله وإنسانيته وتميزها بالجدل الفلسفي. * ما الذي يدفعك إلى ترجمة هذه الأعمال في شكل الشعر المنظوم؟ ــ أحب هذه الطريقة في الترجمة، حيث أترجم شعر شكسبير في شكل الشعر المنظوم عربياً، بالفصحى، وهذا أمر صعب للغاية، وليس سهلاً كما قد يظن البعض، فالمسألة تحتاج إلى شروح وهوامش والرجوع إلى مراجع من عصور مختلفة لتدقيق اللغة، حتى تجيء الترجمة دقيقة، حيث أهدف إلى أن أحاكي الأصل في كل شيء، خاصة محاكاة الأسلوب بشكل شعري، وهناك بعض المترجمين الذين يترجمون أعمال شكسبير ترجمة لا علاقة لها بالنص الأصلي، ولا تنتمي إلى تجربة المؤلف الأصلي، حيث تتم إضافة أشياء وحذف أشياء أخرى، وربما تعاملت مع ترجمة شكسبير بهذه الطريقة، لأن نصوصه كتبت شعرا، فحاولت أن أترجمها كأنها شعر ملحمي، وأعتقد أن هذا الشكل يقربها إلى القارئ العربي. الدقة استلزمت مني ترجمة أعمال ذلك العبقري بلغة أقرب إلى الوجدان الذي كتب به، وهو وجدان الشاعر، وأنا من عادتي أن أترجم الشعر شعرا والنثر كما هو يترجم نثرا. وأظن أن هذه الطريقة تحمل قدرا كبيرا من المصداقية في الترجمة، بعيدا عن التلفيق وأنا عادة في ترجمتي للأدب خاصة أعمال شكسبير أراعي العمل الأصلي، والوقت الذي كتب فيه، ومع ذلك فإن الممثلين حين يمثلون، يفضلون الأعمال السردية على الأعمال الشعرية، وأنا خلال نصف قرن أخلصت في ترجمة أعمال شكسبير. * هناك ترجمات عديدة لشكسبير، فما الذي يجعلك حريصا على تقديم ترجمات جديدة له؟ ــ أعتقد أنه ليس كل الترجمات على درجة من الإجادة، وهذا يضر العمل الإبداعي، ويقدمه ناقصا أو مشوها، وكثيرون ممن ترجموا شكسبير، خاصة في المشروع الذي قدمته الجامعة العربية، والذي كان يشرف عليه عميد الأدب العربي طه حسين، ليسوا متخصصين في الأدب الإنجليزي. هناك ترجمة خليل مطران وهي جميلة، لأنه نقل النص بحس شعري، لكنه لم يلتزم بالنص الإنجليزي، وكان الغرض الأساسي من ترجمة هذه الأعمال أن تقدم على خشبة المسرح المصري المسرح القومي الذي كان مطران مشرفاً عليه، كما كانت الترجمات الخاصة بشكسبير ليست على درجة من الإتقان، وإن كنت أرى أن أفضل ترجمة لمسرحية لير كانت ترجمة الناقدة الراحلة د. فاطمة موسى، حيث قدمت النص بدقة، وبلغة عربية سلسة وبسيطة قريبة من القارئ، وهي أستاذة متخصصة في الأدب الإنجليزي، وقد قدمت الملك لير أكثر من مرة بهذه الترجمة على خشبة المسرح، ما يسهل للممثلين طريقة الأداء، وقد أخرجها المخرج جلال الشرقاوي، وقدمها بعد ذلك الفنان يحيى الفخراني، وحققت نجاحاً كبيراً. * كيف ترى الترجمات التي قام بها شعراء أمثال علي أحمد باكثير وجبرا إبراهيم جبرا وفريد أبو حديد وغيرهم؟ ــ هناك ترجمات متميزة مثل ترجمة علي أحمد باكثير لمسرحية روميو وجولييت وترجمة مسرحية ماكبث لمحمد فريد أبو حديد، حيث التزما بالنص الأصلي إلى حد كبير، وحافظا على جمالياته الفنية، وأعتقد أن هناك ترجمة جيدة يمكن أن تضيف إلى النص المترجم، وهنا تبرز خبرة المترجم وحنكته وقدرته على نقل النص الأصلي عبر ترجمة إبداعية راقية. * هل تساعدك اللغة العربية في إيجاد مرادفات عربية لبعض الأعمال الصعبة.. خاصة أنك تعتمد في ترجماتك على البلاغة العربية؟ ــ اللغة العربية تعطي قيمة مضافة للأعمال المترجمة بما فيها من بلاغة أخاذة، تمنح العمل المترجم إدهاشاً، بما فيها من تنوع للمفردات ودائما ما اختار المفردة القريبة من القارئ، وربما لنشأتي دور كبير في حب اللغة العربية، حيث تعلمتها وأنا طفل صغير في كتاب القرية وحفظت القرآن الكريم، وكل ذلك رسخ حبها بداخلي، كما كنت أحفظ الشعر وألقيه بطلاقة، وهذا جعلني أتقن اللغة العربية، ثم بدأت في إتقان اللغة الإنجليزية، وسافرت إلى إنجلترا وأقمت هناك عشر سنوات، وبدأت أترجم، وساعتها أيقنت أن الوسيلة الأولى لنجاح المترجم هي القدرة اللغوية وأتمنى استكمال ترجمات شكسبير، لأقدمها للقارئ كاملة، فهي مشروع عملت عليه لسنوات طويلة. * هل تأثرت أعمالك المسرحية بأعمال صاحب روميو وجوليت؟ ــ بالتأكيد، خاصة في بناء الخط الدرامي وتشابك الأحداث، وربما هذا ما أجده في مسرحية جاسوس في قصر السلطان التي أخرجها الراحل كرم مطاوع وقدمت على خشبة المسرح. * إلى أي مدى تعتقد أن أعمال شكسبير ستظل في صدارة المشهد الثقافي العالمي؟ ــ ستظل خالدة لأنها أعمال كتبت بصيغة إنسانية فريدة، ومازالت قادرة على إثارة الدهشة، وامتلاك عناصر الجدل، فالمشاهد تراه يتفاعل معها إذا عرضت في كل اللغات، ومع مختلف التيارات المسرحية، فشخصياته حية تعيش بيننا لا بد من الاستعانة بهذه الأعمال، وطلاب المسرح في الجامعات والمعاهد المتخصصة أول ما يطلب منهم عند الالتحاق بالدراسة أمام اللجان المختصة بالقبول، أن يقدم الطالب أحد المشاهد من أعمال شكسبير، وأظن أنه لم يحظ كاتب عالمي بشهرة مثلما حدث مع صاحب تاجر البندقية. * كيف ترى أعمال شكسبير في المناهج التعليمية؟ ــ ليس هناك اهتمام بهذا الجانب، في مراحل التعليم الأساسي، ربما يوجد بعض النصوص التي يقررها أساتذة المسرح في الأقسام الخاصة بالمســـرح في الجامعـــات المصرية، وكذلك في أكاديمية الفنون، وهذا ما نرى تجلياته في مشاريع التخرج التي تتم في معهد الفنون المسرحية، حيث توجد أعمال شكسبير بكثرة، لكن قديمــا في الخمسينات وما قبلها كانت روائع شكسبير تقرر على طلبة المدارس المصرية، وكنا نجد إقبالاً من الطلاب على هذه الأعمال، وكان يساعد على ذلك وجود المسرح المدرسي، الذي يقدم الأعمال الكبرى بلغة مبسطة للغاية، يفهمها الطلاب، ما يجعلهم مقبلين على المسرح، وهناك البعض منهم من كان يذهب إلى المكتبات العامة، بحثا عن أعمال أخرى للمؤلف الكبير، وأطالب بعودة بعض النصوص إلى مناهج الأدب، ليس أعمال شكسبير فقط، لكن رواد المسرح العالمي أمثال إبسن وهارولد بنتر وغيرهم، لأن مثل هذه الأعمال تنمي الذوق، وتساعد على الارتقاء بالوعي، وهذا ما نحتاجه بشدة الآن، وللأسف نجد أن هناك تراجعا بالاهتمام بأعمال شكسبير حتى بين الأساتذة المتخصصين، فكثير منهم لا يعرفون كل مؤلفاته، وأعتقد أن هذا العام يعد فرصة لاستعادة ذكرى هذا المؤلف العبقري الذي أثر في الوجدان العالمي، وأطالب وزير التربية والتعليم بتبسيط بعض رواياته ـ وهذا التبسيط ـ موجود فقد تم في فترات سابقة من خلال سلاسل كانت تصدر في الهيئة العامة للكتاب ويمكن الاستعانة بها، ولو تم ذلك فسوف تتغير الأمور كثيرا، لكن كل ذلك بحاجة إلى تنفيذ فعلي وقرارات حاسمة من وزارة التعليم.

مشاركة :