* (فاجأني) الدكتور نايف الرومي محافظ هيئة تقويم التعليم العام، بقوله -في لقاء مع صحيفة الاقتصادية- أنه (متفاجئ) جدًا من نتائج طلابنا في مادتي العلوم والرياضيات، حيث كشف أن 43% من طلاب الصف السادس في السعودية لا يصلون -بحسب تعبيره- إلى المستوى الأدنى في المادتين!!. وجه المفاجأة هنا ليس في كون الدكتور الرومي ابنٌ قديم لوزارة التعليم، وأحد أهم مشرّعيها في السنوات الأخيرة فحسب، بل لكونه قد أتى على سبب تردِّي النتائج؛ ووضع يده على المشكلة -ربما دون أن يشعر- حين قال في معرض إجابته على سؤال آخر: إن 66% من المعلمين السعوديين مُصابون بالإحباط!. * لا أعرف كيف يمكن أن يمر مثل هذا الرقم المفزع أمامنا مرور الكرام، فعندما يقول محافظ أكبر هيئة لمراقبة جودة التعليم في السعودية إن ثلثي معلمي السعودية مُصابون بالإحباط، فهذا يعني كارثة حقيقية يجب التوقف عندها ودراسة أسبابها، وإيجاد الحلول العاجلة لها.. ويُفسِّر في الوقت نفسه أسباب التردِّي التعليمي المزمن رغم خطط التطوير والإصلاح. * لماذا يشعر المعلمون السعوديون بالإحباط؟. لا شك أن الأسباب كثيرة ومتداخلة، ولعل القضايا المالية وقضايا المستويات التي أشغلت الوسط التعليمي لفترات طويلة؛ بالإضافة إلى المباني المستأجرة، وبطء حركة النقل الخارجي، وجفاف البيئة المدرسية، تُعَدُّ من أبرز أسباب هذا الإحباط، لكن السبب الأهم والأكبر في رأيي يكمن في عدم وجود ألية واضحة للترقي الوظيفي تضمن لكل معلم حقه الطبيعي والعادل في الترقي، دون الحاجة للتوسط (بفلان وعلاّن)، وتحميه من مزاجية المسؤول التي تُبعد من تشاء؛ وتُقرِّب من تشاء دون معايير واضحة، ناهيك عن تدخلات (الواسطة) التي تأتي غالبًا بالأقل لتضعه رئيسًا للأكفأ!. * الأمر ليس بدعًا جديدًا، فمعظم دول العالم لديها أنظمة ترقي لا يمكن التلاعب بها.. في مصر مثلًا ثمة نظام يضمن لأي معلم الوصول إلى وكالة الوزارة دون حاجة لتدخل أحد؛ ودون أن يستطيع أحد عرقلته، كل ما يجب على المعلم فعله هو الاجتهاد والعمل فقط.. بينما يتعرَّض مئات الآلاف من معلِّمينا للموت الوظيفي بعد أن وُئدت معنوياتهم، وتساقطت آمالهم بسبب وأد الطموح في أنفسهم، يقول أحدهم: كيف تريدني أن أعمل، وأنا أشاهد الأقل مني يتسلَّقون بالواسطة ويأخذون مكاني!.. ويضيف: هناك من ترشَّح لمناصب قيادية وخبرته لا تتجاوز عامًا أو عامين! هل يمكنك تصوُّر وقع خبر كهذا على نفسية معلم ظل يركض باجتهاد لسنوات، ويحلم أن يُكافأ على عمله؟!. * المعلم المُحبط لن ينتج إلا جيلاً محبطًا مثله.. لذا فإن ضبط معايير الترقي الوظيفي في التعليم، وعدم تركها لمزاجية المسؤول أصبح ضرورة لإنقاذ التعليم من ورطته، وإعادة التنافسية والدافعية والروح لميادينه.. فالتجارب تقول: إن أي إصلاح إداري يجب أن يرتكز على دعامتين متزامنتين هما: تطوير الكفاءة المهنية للموظف، ورفع روحه المعنوية عبر تحسين أوضاعه الوظيفية، وإشعاره بالعدل في الفرص الوظيفية. * المعلمون هم جياد الأمم في سباقاتها نحو المستقبل.. والأمم المتقدمة لم تصل إلى الخطوط الأمامية إلا بعد أن أكرمت معلميها، أما الأمم التي تُحبط جيادها وتوئد الأمل في نفوسهم؛ فلن تصل إلى شيء، مهما أنفقت من أموال. m.albiladi@gmail.com
مشاركة :