• الهياط كلمة ( عامية ) تعني التباهي الممجوج ؛ أو الكذب السلوكي الذي يصل حد المبالغات اللاعقلانية .. وإذا كان هذا المصطلح قد دخل القاموس العربي ( السعودي تحديداً ) في السنوات الأخيرة فقط ، فإن الفعل قديم قِدم العربي نفسه .. فالتاريخ الشفاهي الطويل للعرب لم يحفظ من عصر جاهليتهم الأولى سوى ( مهايطات ) عمرو بن كلثوم ( صاحب: إذا بلغ الفطام لنا رضيع ) ومجايليه أمثال عنترة (الذي كان يبارز ألف فارس بيد واحدة ، ويغلبهم ) ، مروراً بمرويات حاتم الطائي وعرباننا الذين كانوا ينحرون مئات الإبل من أجل سواد عيون ضيف واحد أو مولود أو خطبة فتاة ، وانتهاء بعباقرة جيلنا من أصحاب (الهيل والشاص والقعدان تعرفني ) الذين تفننوا في غسيل أيديهم بأغلى السوائل في تاريخ البشرية ! • هذا التاريخ الطويل والمغرق في فنون الهياط والذي تناقله العرب جيلاً بعد جيل ،حتى درّسناه في مدارسنا وجامعاتنا جعل من هذه الأفعال جزءاً مهماً في التركيبة النفسية والسلوكية للعربي .. ولم تنجح لا المواعظ الدينية ولا حتى المثاقفات والاختلاط بالأمم الأخرى في انتزاعها من نفوسهم ، لأنها ارتبطت في وجدانهم - خطأ طبعاً – بمكارم الأخلاق ( الكرم ، الشجاعة ) فأصبحت وكأنها جزء من هذه الصفات النبيلة ، وصارت المزايدة فيها أمراً محموداً ومدعاة للاحترام والشهرة ،حتى لو كانوا يعرفون أنه ( مهايطي .. ابن ستة وستين مهايطي ) !. • ما يزيد هذه الإشكالية العربية المزمنة تعقيداً ورسوخاً هو علاقتنا الملتبسة مع هذه الممارسات ، ففي حين ننكرها ونذمُّها على الملأ كنوع من إظهار المثالية والتعقل والاتزان، تجدنا نقوم بهذه الأفعال( كالإسراف والتبذير) إن واتتنا الفرصة ، ليستمر المسلسل العربي الطويل إلى ما لانهاية . • ضحكت طويلاً عندما سمعت من يطالب بإنشاء هيئة لمكافحة الهياط على غرار هيئة مكافحة الفساد ومكافحة التسول ، والضحك هنا ليس لأن هذه الهيئات لم تنجح في فعل شيء فحسب ، بل لأن تراكمات أكثر من ألف عام من الهياط المتجذر لا يمكن حلها بهذا الأسلوب إلا إن كانت المطالبة نفسها نوعاً من الهياط أيضاً . • اعلموا رحمني الله وإياكم أن الخلط بين الهياط ومكارم الأخلاق هو أكبر مسببات استمرار هذا الداء القديم الجديد ، ولن تنتهي حلقات هذا المسلسل الدراماتيكي الطويل إلا بتفكيك فيروس الهياط علمياً وحل ارتباطه الوهمي وغير الشرعي مع الأخلاق .. وهذا دور الدكتور أحمد العيسى ووزارته الموقرة طبعاً . m.albiladi@gmail.com
مشاركة :