يبدي المغرب مؤخرا اهتماما بالثقافة الأمازيغية عبر مدخل اللغة بكل تنويعاتها، التي يتحرك لتعزيز حضورها ضمن ترجمات الكتب والتطبيقات الإلكترونية المتخصصة للترجمة وللتعليم أيضا، ويأتي ذلك ضمن جهود تعزيز الثراء الثقافي وحماية التنوع الذي يميز الهوية المغربية ويجعلها هوية ثرية بمكونات ثقافية وفنية عديدة. الرباط - تعرف الروافد المغربية على المستوى اللغوي تكاملا وتنوعا يحظى باهتمام المؤسسات والهيئات الثقافية منها الأمازيغية والحسانية التي تدخل في صلب هذه الاهتمامات كإنتاج ثقافي اجتماعي يتملكه المجتمع، وتعززت هذه اللغة المحلية بإعلان شركة غوغل الأميركية إضافة 110 لغات جديدة من بينها الأمازيغية، إلى خدمة الترجمة الأكثر استخداما، إضافة إلى تواصل المبادرات الرامية إلى إبراز الثقافة الحسانية وإدماجها والنهوض بها ودعم الجهود الهادفة إلى صيانة الهوية الثقافية الحسانية والحفاظ عليها تماشيا مع مقتضيات دستور المملكة. الترجمة والتدريس لدعم الأمازيغية أحمد كيكيش: التحرك السياسي من أجل التنوع الثقافي لا بأس به أحمد كيكيش: التحرك السياسي من أجل التنوع الثقافي لا بأس به الكل يطالب بحسن تدبير التنوع الثقافي والتعدد اللغوي المغربي لكونهما واقعا كونيا تتقاسمه المجتمعات الإنسانية، وقد أكد باحثون بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية برحاب أكاديمية المملكة، الأربعاء، على أن الترجمة مرتبطة أساسا بفكر الإنسان الأمازيغي الذي قام بترجمة عدد من النصوص في ما سبق، وهي في عموميتها فضاء للتمازج بين منظومتين لغويتين ومنظومتين ثقافيتين فأكثر، مشددين على خصوصية اللغة الأمازيغية في مجال الترجمة منها وإليها لاعتبارات موضوعية تتعلق بندرة المعاجم العامة والمتخصصة وضرورات التكييف بين المتغيِّر والمعياري من الألفاظ والمزج بين المحلي والعام من اللسان، مشددين على ارتباط الترجمة بالإنسان والفكر الأمازيغي منذ البداية، ولافتين إلى ضرورة تسريع هذا الورش بالاحتكام إلى منصوص القانون التنظيمي سالف الذكر. وفي تدخله اعتبر محمد لعضيمات، أستاذ باحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن الخصائص اللغوية والتشريعية للغة الأمازيغية ذات وضع اعتباري وتبقى حيوية وشفوية حاولت مقتضياتُ الترسيم نقلها إلى عالم الكتابة بما يعطيها قيمة مضافة، وهو ما عمل عليه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من خلال تهيئة معاجم متخصصة وقطاعية والشروع في ورش حوسبة اللغة، مشيرا إلى وجود خصائص في المعجم الأمازيغي العام والمتخصص كذلك بالنظر إلى كثرة الاقتراض من اللغات الأخرى، وهو ما يؤثر على عملية الترجمة بغض النظر عن وجود جهود لاستعادة الفَقْدِ والمعجم الأصلي. وفي مناقشة هذه المرتكزات في شقيها الثقافي واللغوي في الواقع المغربي نجد تمازجا فيه الخصوصي والجهوي مع الوطني، ضمن الاهتمام بالمكون اللغوي المغربي، وهنا تم إعطاء الانطلاقة الرسمية لمساق تعلم اللغة الأمازيغية عن بعد، بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط، بحضور ثلة من الباحثين والمهتمين بالمجال الأمازيغي، وذلك بهدف رصد المكتسبات التي تحققت في مجال اللغة الأمازيغية بعد تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وصدور القانون التنظيمي الذي يحدد مراحل تفعيل طابعها الرسمي وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية. واعتبر الفاعل الحقوقي والتربوي أحمد كيكيش أن المتتبع لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لا بد أن يقف حول تحديين بارزين، الأول مرتبط بالالتزامات الحكومية في عدة مجالات التعليم والتشريع والتنظيم والعمل البرلماني والإعلام والاتصال والإنتاج الثقافي والفني والمرافق العمومية والفضاءات العمومية والتقاضي. أما التحدي الثاني، فيقول أحمد كيكش، في تصريح لـ”العرب”، إنه مرتبط بوتيرة تدبير التنوع الثقافي من الناحية السياسية لا بأس به ولكن من الناحية الثقافية يعيش تعثرا ملحوظا نظرا لعدم وجود آلية دستورية قادرة على حسن تدبير السياسة اللغوية في بلادنا، ورغم ذلك النقص لا بد أن نشير إلى أن بعض المكتبات التي تم رصدها لصالح الأمازيغية من طرف لركام، هذه المؤسسة رغم ما يقال عليها، فقد قامت بمجهود لا بأس به من أجل تطوير اللغة الأمازيغية وتقديم خدمات من أجل حمايتها وتعليمها ولهذا فقد أعدت مساقا لتعلم الأمازيغية عبر منصة mooc-irkam عن بعد مقتنصا الجيل الجديد. وقام المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بإصدار ترجمات عدة إلى الأمازيغية في البداية، حيث وصلت إلى 72 إصدارا وهي عبارة عن ترجمات و4 كتب عبارة عن ندوات، في حين ما تزال الوتيرة مستمرة بوجود أعمالٍ قيد النشر والتدقيق، وهناك أعمال تتم ترجمتها بالتعاقد مع مترجمين من خارج المؤسسة، وأخرى تتم في إطار برنامج العمل السنوي للمعهد، وكل مترجم يكون مطالبا بإنجاز ترجمة عمل كل سنة، يضاف إلى أعمال تعاقدية من خلال اختيار كتاب أو مجال معين وفتح الفرصة أمام ترشيحات المترجمين. هناك كذلك أعمال يتم الحصول عليها والبت في جودتها قبل إحالتها إلى النشر، كما انكب المعهد على تكوين تراجم بمساعدة الحاسوب وبرنامج (الترَادُوسْ)، فضلا عن استقبال المتدربين الطلبة من دارسي الترجمة وتدريبهم لفترة معينة. وأكد عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أحمد بوكوس أن إنجاز مشروع هذه المنصة تطلّب وقتا كبيرا وهو ثمرة تعاون بين عدد من الباحثين داخل المعهد وخارجه، معتبرا أن هذه المنصة تساهم في تجاوز معضلات تعليم اللغة الأمازيغية وتعلّمها، لاسيما في شقها الخاص بنقص المعلمين والمكونين وأن الأمازيغية تلج بخطى حثيثة إلى المجال الرقمي من خلال تجاوز الطرق التقليدية في التلقين. في مناقشة المرتكزات في شقيها الثقافي واللغوي في الواقع المغربي نجد تمازجا فيه الخصوصي والجهوي مع الوطني في مناقشة المرتكزات في شقيها الثقافي واللغوي في الواقع المغربي نجد تمازجا فيه الخصوصي والجهوي مع الوطني وهذا المساق جاء تتويجا لأربع سنوات من العمل الذي قام به باحثو المعهد، حسب مديرة مركز الدراسات المعلوماتية وأنظمة الإعلام والاتصال سهام بولقنادل التي أبرزت أن هذه الخطوة تمثل محطة رئيسية في مجال تعليم اللغة الأمازيغية وتعلّمها بتنويعاتها الثلاث (تاريفيت، تامازيغت وتاشلحيت) وبالمجان. وتأتي هذه المبادرة استجابة من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية للطلب المؤسساتي المتزايد حول تعلم اللغة الأمازيغية خاصة لدى فئة الكبار الناطقين بغيرها، والذي جعل مركز الدراسات المعلوماتية وأنظمة الإعلام والاتصال، ومركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية التابعان له، يعمدان إلى إعداد مساق لتعلم الأمازيغية ضمن منصته الرقمية. وفي هذا الصدد أكد مدير مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية بنعيسى يشو أن هذا المساق يتوخى تلبية مجموعة من الانتظارات داخل المؤسسات الوطنية بغية تعلم اللغة الأمازيغية لاسيما للمرافقين والعاملين على حد سواء. ولفت عبدالواحد بتبغ، أستاذ ومترجم إلى اللغة الأمازيغية، أن الترجمة الآلية من أهم الخدمات التي بدأت تقدمها شركة غوغل عبر خدمة غوغل ترجمة، فهي ستسهل التواصل بين الأشخاص الذين يتحدثون لغات مختلفة، وأن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهي المؤسسة المعنية بتقعيد اللغة، عليها أن تدخل في هذا الخط لأن لديها بيانات هائلة لحدود الساعة يجب أن تستثمر البيانات المتنوعة التي توزع بين المعاجم وترجمات كتب ونصوص تاريخية أنثروبولوجية وغيرها، وبالتالي مسألة جمع البيانات على شكل “ذواكر: مفرد ذاكرة” مهم للغاية، لأن حتى البرامج الذكية للترجمة مثل “ترادوس” trados يعمل بنفس الشيء. وتساءل سعيد بنيس في تصريح لـ”العرب”، وهو مدير مركز البحث الإنسان والمجال والمجتمع، هل يمكن أن يفضي مشروع الجهوية الموسعة بالمغرب إلى سياسة ثقافية مماثلة؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب فستتخصص الدولة المركزية في الحفاظ ونشر الثقافة الوطنية المغربية ودعم وانتشار اللغتين الوطنيتين الأمازيغية المعيارية والعربية الفصحى، أما الجهات المعتمدة فيتحدد دورها في الحفاظ وتهيىء وتأهيل الثقافة واللغة المحليتين أي أن بعض الجهات ستعمل على تشجيع التعامل محليا في إطار الثقافة واللغة المحليتين. الحسانية مكون للهوية أحمد بوكوس: ولوج الأمازيغية إلى المجال الرقمي يعزز انتشارها أحمد بوكوس: ولوج الأمازيغية إلى المجال الرقمي يعزز انتشارها وفي إطار سلسلة من المبادرات الرامية إلى إبراز الثقافة الحسانية وإدماجها والنهوض بها ودعم الجهود الهادفة إلى صيانة الهوية الثقافية الحسانية، أكد رئيس مركز الإيسيسكو للغة العربية للناطقين بغيرها، مجدي حاج إبراهيم في ندوة علمية من طرف منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، في موضوع “اللغة العربية واللهجة الحسانية: الأصول والتعالق والامتداد”، انعقدت بالداخلة، أن اللهجة الحسانية هي موروث ثقافي عريق ورمز معرفي أصيل له خصائص وتعبيرات لغوية متميزة، فضلا عن كونها رافدا أساسيا ومكونا حضاريا ضمن الهوية المغربية الموحدة. وتحظى الثقافة الحسانية بعناية العاهل المغربي الملك محمد السادس التي تتجسد في الحرص على صون الموروث الثقافي الحساني وإدماجه في الهوية المغربية المتنوعة ومتعددة الروافد، حسبما أكدت رئيسة مركز القاضي عياض للعلوم الإنسانية والدراسات القانونية وردة البرطيع، مبرزة أن التوجيهات الملكية السامية كانت حاسمة في صياغة سياسة ثقافية خاصة بالمكون الحساني، موضحة أن الاهتمام الذي يوليه الملك محمد السادس للثقافة الحسانية يعكس الغنى والتنوع والتعدد الذي تزخر به هذه الثقافة على مستوى الأصول والمشارب والروافد، مشيرة إلى أن الثقافة الحسانية بمكوناتها “اللغة، نمط العيش، العادات..” هي خزان معرفي وبوتقة انصهرت فيها العديد من الثقافات. وأكد أحمد كيكيش لـ”العرب” أن الحسانية والأمازيغية مكونان أساسيان للهوية المغربية نظرا لكونهما إرثا حضاريا وثقافيا ساهم في بناء واستمرار المملكة المغربية، وحق استعمال الأمازيغية والتواصل بها مكفول دستوريا لذا يتوجب ضمان تعميم تعليمها وتعلّمها وهو التزام على عاتق الدولة. من جهته أكد سعيد بنيس، مدير مركز البحث الإنسان والمجال والمجتمع، أنه في ما يتعلق بالمغرب يمكن حصر صيرورة التنوع الثقافي في علاقتها بالتداخل في مسارين متوازيين: الأول يرتكز على صيرورة التعريب والثاني على صيرورة التمزيغ، هذه الثنائية يضبطها ويحكمها منطق التمازج والالتقاء، مضيفا أن التنوع الثقافي بالمغرب هو نتاج لهذه الصيرورة المزدوجة حيث أن المكون الثقافي هو في العمق عنصر متجانس وواحد تتحكم فيه هذه الثنائية ويعبر عنه لغويا بمنظومتين مختلفتين هما الأمازيغية والعربية. ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أنه يمكن تصنيف التعدد اللغوي إلى صنفين: صنف التدبير الشخصي اليومي للغات حيث يعمد الأشخاص والأفراد إلى اختيار لغات بعينها من بين اللغات الأم أو اللغات المكتسبة واستعمالها في سياقات مجتمعية معينة، وصنف التدبير المؤسساتي الذي يدخل في إطار السياسة والتهيئة اللغوية التي من خلالها يعهد لبعض المؤسسات الحكومية تدبير التعدد اللغوي بحسب المرتكزات والتوجهات الوطنية (الدور الذي يضطلع به معهد الدراسات والأبحاث حول التعريب والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية). وتتقاطع اللغة العربية والحسانية في السرد كما أن الشعر الشعبي الحساني يعتبر من المرجعيات الثقافية والجمالية العربية، وترتبط عضويا بكل مكونات التراث اللامادي الحساني في الصحراء المغربية ويراهن عليه في دعم التنمية والصناعة الثقافية. وفي هذا الصدد شدد رئيس مركز الصحراء للدراسات الإنسانية والاجتماعية، محمد عالي الجماني على أن هذه التظاهرة العلمية تهدف إلى إبراز الأهمية الكبرى التي تحظى بها اللهجة الحسانية ضمن الموروث الثقافي للأقاليم الجنوبية للمملكة، مع تسليط الضوء على العلاقة الوثيقة القائمة بينها وبين اللغة العربية، مستحضرا الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى السابعة والأربعين للمسيرة الخضراء، الذي أكد على النهوض بالثقافة الحسانية باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية الوطنية الموحدة، وموروثا يحافظ على التقاليد والعادات التي ترمز إلى وحدة الوطن.
مشاركة :