قبل أسبوع من الآن وفي نفس اليوم الأحد، اجتمع وزراء أكثر من 16 دولة في العاصمة القطرية الدوحة وكلهم أمل في الوصول إلى اتفاق «مجهز مسبقًا ومطبوع» لتجميد إنتاجهم النفطي عند مستوى يناير (كانون الثاني) الماضي، وليس عليهم سوى التوقيع عليه والذهاب للغداء مع أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل خليفة.. ولكن ذلك لم يحصل، وبدلاً من أن يستمر الاجتماع لساعة ونصف من الزمن، امتد إلى نهار كامل، ولم ينته سوى في الثامنة والنصف ليلا من دون أي اتفاق للتجميد. واستيقظت الأسواق العالمية في اليوم التالي على صدمة كانت «متوقعة مسبقًا»، وزادت الأسئلة حول مصير منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد الاجتماع، وتعالت الأصوات بأن أوبك قد انتهت وأصبحت السوق مكان «البقاء فيه للأقوى أو الأصلح». وإلى جانب مصير أوبك بعد اجتماع الدوحة، لعل من أهم الأسئلة المتبقية هو هل أن نتيجته تعني عودة السياسة لتلعب دورًا كبيرًا في قرارات المنظمة؟ أم لا يزال القرار اقتصاديا حتى وإن ظهر بمظهر سياسي؟ لم يكن الوضع بعد فشل اجتماع الدوحة سيئًا كما كان يصور له بعض المحللين في جهات كبرى لاعبة في السوق، مثل سيتي غروب وغولدمان ساكس، أو حتى بعض الوزراء مثل وزير النفط العماني محمد الرمحي ووزير الطاقة الفنزويلي إيلوجيو ديل بينو، اللذين توقعا هبوط الأسعار بسبب فشل اجتماع الدوحة. لكن ما حدث كان العكس، حيث ظلت أسعار برنت وغرب تكساس في لندن ونيويورك متماسكة فوق 40 دولارا، بل أقفل نفط برنت في لندن تداولاته الأسبوعية يوم الجمعة على 45.11 دولار للبرميل، مرتفعا بنحو دولارين عن سعر إقفاله قبل أسبوع من الآن. وجاءت هذه الارتفاعات مدعومة بتحسن الأساسيات، حيث لا يزال الإنتاج من خارج أوبك مستمرا في الانخفاض مع تناقص أعداد منصات الحفر في الولايات المتحدة والتي وصلت إلى 343 حفارة، مسجلة أكبر انخفاض سنوي لها منذ عام 1988 بحسب بيانات بيكر هيوز. وبسبب تماسك الأسعار، مال البعض من المحللين إلى أن اتفاق الدوحة لم يكن مهمًا لاستقرار السوق كما تم الترويج له، ومع هذا وبالنسبة للسوق، فإن أوبك دخلت في حالة من «الغيبوبة» الآن بعد ما حدث في الدوحة، خاصة أن وزراء الطاقة والنفط في فنزويلا وروسيا أبدوا سخطهم الشديد مما حدث في الاجتماع، وبخاصة وزير الطاقة الروسي إلكساندر نوفاك، والذي أوضح عقب الاجتماع أن آلية اتخاذ القرار في أوبك أصبحت معقدة جدًا. وساعد الاتفاق الذي بدأت صياغته منذ فبراير (شباط) الماضي في انتعاش أسعار النفط بعد وصولها إلى أدنى مستوى في 12 عاما في يناير. لكنه انهار أثناء محادثات الدوحة يوم الأحد الماضي بعد إصرار السعودية على مشاركة إيران؛ مما أثار مخاوف داخل منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك من تجدد انهيار الأسعار. * تحول مفاجئ: وقبل الاجتماع وتحديدًا حتى صباح الأحد، كان كل الوزراء متفائلين بأنهم سيوقعون الاتفاق ويمضون إلى المطار مباشرة؛ إلا أن المصادر في الدوحة التي حضرت الاجتماع أبلغت «الشرق الأوسط» أن الوفد السعودي الحاضر طلب تغيير مسودة الاتفاق لإضافة شرط جديد، وهو أن تقوم كل دول أوبك الثلاث عشرة بالاتفاق على تثبيت إنتاجها تأكيدًا لما ذكره ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لوكالة «بلومبيرغ». وكان ولي ولي العهد قد أكد في حوار جديد أجراه مع وكالة «بلومبيرغ» العالمية الخميس قبل الماضي أن المملكة ستدعم أي «اتفاق جماعي» بين المنتجين في منظمة أوبك، إلا أنها ترغب في رؤية جميع المنتجين الرئيسيين في العالم يساهمون في تثبيت إنتاجهم؛ حتى تشاركهم التثبيت. وكان الوزراء قد وصلوا إلى صيغة توافقية قبل تصريحات الأمير لـ«بلومبيرغ»، تستثني إيران وليبيا من أي اتفاق في الدوحة، إذ أن إيران أعلنت أنها لن تجمد إنتاجها النفطي حتى تستعيد حصتها السوقية التي فقدتها، فيما تم استثناء ليبيا لأنها لم تنعم بالاستقرار منذ عام 2012 وانخفض إنتاجها إلى مستويات لا تدعم ميزانية الدولة، ثم انقسمت السلطة النفطية فيها إلى سلطتين تتبع كل واحدة منهما حكومة مختلفة.. وأعلنت إيران يوم السبت عدم نيتها في حضور اجتماع الدوحة بعد صدور تصريحات الأمير محمد بن سلمان. ويظل عدم قدرة المنتجين على الوصول إلى قرار في الدوحة، هو مظهر من مظاهر «وفاة أوبك» بالنسبة للسوق، حيث إن الكل كان يأمل أن تتمكن أوبك من الاتفاق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأسعار التي فقدت 60 في المائة من قيمتها منذ منتصف عام 2014 حتى الآن. ويقول المحلل النفطي وكبير الاقتصاديين في شركة «إن جي بي إنرجي مانجيمنت كابيتال» الدكتور أنس الحجي في تعليقه لـ«الشرق الأوسط» على ما جرى في الدوحة: «اجتماع الدوحة أثبت أن السعودية كانت وما زالت وستظل هي اللاعب الرئيسي في سوق النفط العالمية، إلا أن الإشكالية الآن هي أن السعودية لم تعد بحاجة إلى أوبك، وأوبك ليست أوبك من دون السعودية». وكانت تصريحات الأمير محمد بن سلمان لـ«بلومبيرغ» صادمة للكثير من المراقبين الذين كانوا يتوقعون أن تقوم السعودية بإتمام الصفقة من دون إيران، نظرًا لأن أسعار النفط المنخفضة تستنزف ميزانيتها كما هو الحال في جميع الدول النفطية. إلا أن ولي ولي العهد السعودي فاجأ الجميع بقوله: «نحن لا نهتم بأسعار النفط، فالنفط عند 30 دولارا نفسه عند 70 دولارا بالنسبة لنا، فنحن لدينا برامج اقتصادية مبنية على أسعار نفط منخفضة». وأضاف الأمير محمد: «أسعار النفط لم تعد معركتنا؛ بل هي معركة غيرنا، وتحديدًا الدول التي تضررت من الأسعار المنخفضة». * بالدوحة أو من دونها السوق متحسنة: وأول المدافعين عن أوبك كان أمين عام أوبك عبد الله البدري، الذي قال يوم الخميس الماضي في باريس إن «أوبك لم تمت، بل ما زالت حية، والدليل على ذلك أنها قد تضيف عضوا جديدا لها في اجتماعها الوزاري في يونيو (حزيران) القادم». وأضاف أن سوق النفط ستبدأ في استعادة توازنها بحلول الربع الثالث من العام الحالي، وستتحول للاتجاه الإيجابي بحلول العام المقبل برغم فشل كبار منتجي النفط في العالم في التوصل لاتفاق لتثبيت مستوى الإنتاج في اجتماع الدوحة. وقال البدري في مؤتمر للنفط بالعاصمة الفرنسية: «بالدوحة أو من دونها، نشهد تحول سوق النفط». وأضاف: «ربما يصبح الطلب أكبر من العرض، ونتوقع أن تتحول السوق تماما بحلول عام 2017 وتصبح إيجابية. لا أعلم كم سيبلغ السعر.. لا أستطيع أن أخبركم بذلك فعلا. لكن على الأقل سيكون أفضل مما نشهده الآن». وفي نفس المؤتمر في باريس، أوضح إبراهيم المهنا مستشار وزير البترول السعودي يوم الخميس أن تثبيت إنتاج الخام الذي فشلت كبرى الدول المنتجة للنفط في الاتفاق عليه في الدوحة سيكون على جدول أعمال اجتماع أوبك القادم في يونيو، مما يترك الباب مفتوحا لدعم الأسعار برغم انهيار محادثات الدوحة. وقال المهنا: «رغم عدم الاتفاق، فإن باب التعاون في المستقبل ما زال مفتوحا، ومن المؤكد إجراء مزيد من النقاش خلال اجتماع أوبك القادم». * سياسي أم اقتصادي: ورغم هذه التطمينات من أوبك، فإن الدول خارج أوبك لا تزال متخوفة من عدم قدرة المنظمة على فعل شيء، خاصة أن الوضع السياسي في المنطقة ليس مشجعًا. ويقول المحلل الاقتصادي الدكتور محمد الرمادي لـ«الشرق الأوسط»: «من الواضح جدًا أن التوترات السياسية في المنطقة لعبت دورًا في اجتماع الدوحة، وهذا يجعلنا غير متفائلين بأي خطوة لمنظمة أوبك حاليًا». أما رئيس الأبحاث الاقتصادية في مركز الخليج للدراسات الدكتور جون اسفاكياناكيس، فقد أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار الدوحة ليس سياسيا بالكامل، فالسعودية تنظر للسوق على أنها سوق حرة خاضعة للعرض والطلب، كما أوضح الأمير محمد لـ(بلومبيرغ). ولهذا فإن أي تجميد لإنتاج المملكة دون تخفيض من كل المنتجين الرئيسيين معناه أن المملكة تفقد حصتها لصالح غيرها، في وقت ينتج فيه الجميع عند أقصى طاقتهم الإنتاجية وبمستويات قياسية، ولهذا فإنها لن تستفيد كثيرًا من هذا القرار». وكان الأمير محمد بن سلمان أكد أن المملكة ستحافظ على حصة سوقية قدرها 10.3 إلى 10.4 مليون برميل يوميا في حال تم التوصل إلى اتفاق لتثبيت الإنتاج خلال اجتماع المنتجين في الدوحة يوم الأحد. أما في حال عدم التوصل إلى اتفاق، فإن الأمير محمد يؤكد على أن المملكة «لن تفوت أي فرصة لبيع نفطها».
مشاركة :