** من المتعارف إليه في أدبيات السياسة الغربية أن جمهوريّ أمريكا أقرب إلى محافظي بريطانيا، كما هو الشأن في العلاقة القوية التي نشأت بين رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر Thatcher والرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان Regan، وكان ذلك في بداية الثمانينيات الميلادية، وكان من ثمر تلك العلاقة أن وقف ريجان إلى جانب تاتشر في حربها ضد الأرجنتين على خلفية الصراع على جزيرة الفوكلاند Falkland وضحى بعلاقته مع دول أمريكا الجنوبية ولكن بروز زعيم عمالي ظاهر ومحافظ سرًا مثل توني بلير Blair، خرق هذا السلوك فأضحى هذا الأخير دمية في يد جورج بوش الابن المحافظ، ولعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما سار على هذا النسق فزيارته الأخيرة إلى بريطانيا في ظل تهيؤ الشعب البريطاني للاستفتاء على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من عدمه، أعطت برهانًا كبيرًا ودليلًا واقعيًا بأن رؤساء المنظومة الغربية لا يجدون حرجًا من التنقل أو المراوحة بين اليمين واليسار وفقًا للمصالح الآنية. ** فزيارة أوباما التي فُصِّلَتْ على المقاس البريطاني من حيث المشاركة في الاحتفاء بمناسبة عيد الملكة «اليزابيث» التسعيني حيث عاصرت ما يقرب من إثنى عشر رئيسًا أمريكيًا ومثلهم رئيس وزراء بريطاني، وفي خطوة منفلتة عن البروتوكول المعروف خرج ديفيد كميرون المحافظ من مقر رئاسة الوزراء في داوننج ستريت ومشى خطوات لاحتضان أوباما الديموقراطي وكان اللافت في المؤتمر الصحفي الذي عقده كل من أوباما وكميرون هو نبرة التعالي والفوقية التي اصطبغت بها لغة كميرون من حيث حضِّ الملكة التي لا دخل لها هناك في الشأن السياسي ورئيس الوزراء كميرون على الحفاظ على العلاقة القوية بين المملكة المتحدة البريطانية وحلفائها الأوروبيين في إشارة إلى ضرورة بقاء بريطانيا في السوق الأوروبية المشتركة أو ما يرمز إليه عادة بـ E.U بل استخدم لغة أقرب ما تكون إلى التحذيرية من أن خروج بريطانيا من المنظومة الأوروبية سوف يجعلها في ذيل القائمة. ** ولقد أثار هذا الخطاب الوعظي حفيظة معارضي المستقبل الأوروبي وفي مقدمتهم عمدة لندن وأحد المرشحين لخلافة كميرون في زعامة المحافظين بوريس جونسون Boris, Johnson والذي اعتبر خطاب أوباما هو أقرب ما يكون إلى الموعظة التي تتعارض مع المفهوم التقليدي للديموقراطية، وكان جونسون كتب مقالًا يوضح فيه جنوحه لفكرة عدم بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في الصحيفة البريطانية المحافظة الديلي تلغراف February, 10-16, 2016 وهي الصحيفة نفسها التي اختارها أوباما يوم وصوله إلى بريطانيا «الجمعة، 22 أبريل، 2016م» لنشر مقال له ضمنه آراءه حول ضرورة بقاء بريطانيا ضمن المنظومة البريطانية. ** يفترض فينا أن نتذكر في هذا السياق الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتانياهو» قبل مدة قصيرة إلى الولايات المتحدة بدعوة من الكونغرس الأمريكي ومن دون ترتيب مع أوباما وأثناء الفترة القصيرة المتبقية من رئاسة أوباما وهذا ما يدفع إلى الميل بأن أوباما سعى من خلال هذه الزيارة في الوقت البريطاني الحساس جدًا إلى رد الاعتبار لنفسه لأنه يقوي على مخاطبة البريطانيين بهذا الأسلوب بينما يعجز عن استخدامه مع الإسرائيليين.
مشاركة :