لم تُمحَ من مخيلة أبو جمال ذكرى ذاك اليوم من شهر أيلول (سبتمبر) قبل ما يزيد على ثلاثين عاماً، حين أيقظه أفراد ميليشيات لبنانية متحالفة مع إسرائيل من نومه هو وأسرته واقتادوهم إلى الشارع في ساعة مبكرة من الصباح. أجبر المسلحون أبو جمال وغيره من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا على الاصطفاف، وفصلوا الرجال عن النساء وأخذوا الشبان لحتفهم وكان أحدهم ابنه البالغ من العمر 19 عاماً. وقال أبو جمال، الذي يضع شارة على سترته تحمل صورة ابنه: «كان في عامه الأخير في المدرسة ولم يحصل على الشهادة قط». وطلب أبو جمال ألا ينشر اسمه كاملاً. ولم تتدخل القوات الإسرائيلية خلال المذبحة التي وصفت بأنها من أسوأ الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية في لبنان التي دارت رحاها بين عام 1975 وعام 1990. وكان أريئل شارون الذي توفي السبت، وزيراً للدفاع في ذلك الحين ويحمله الفلسطينيون في صبرا وشاتيلا مسؤولية قتل المئات. وقد لا تكون مفاجأة ألا يبدي الناجون من المذبحة أي تعاطف مع شارون الذي توفي السبت بعد أن دخل في غيبوبة قبل ثماني سنوات. وتجلس ميلاني بطرس (70 عاماً) في منزلها على مقربة من نصب أقيم عند مقبرة جماعية للضحايا وتتذكر كيف قتل ابنها وزوجها رمياً بالرصاص في ذلك اليوم، وتقول إن شارون يستحق ما هو أسوأ مما حل به. وقالت «أتمنى أن يكون قد عانى كما عانينا. قاسينا على مدى 32 عاماً. عاش على هذه الحال ثمانية أعوام وتمنيت أن يعاني عشر سنوات أخرى». وتضيف بطرس التي ظهرت في صورة شهيرة التقطت عام 1982 وهي تنتحب بالقرب من الجثث المتراصة، أنها ليست متفائلة بالمستقبل بعد وفاة شارون. وزادت: «لم يتغير شيء. أحوالنا كما هي». وخلص تحقيق أجرته إسرائيل في عام 1983 إلى أن شارون يتحمل «مسؤولية شخصية» لعدم منعه المذبحة ما حمله على الاستقالة من منصبه كوزير للدفاع. ولكن بعد أقل من عقدين رأس حزب ليكود وانتخب رئيساً للوزراء. وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا إثر اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل، وبرر شارون ما حدث بأنه يرجع جزئياً لثأر قديم بين ميليشيا «القوات الللبنانية» ومنظمة التحرير الفلسطينية في فترة سابقة على احتلال إسرائيل جنوب لبنان. ويعيش اللاجئون الفلسطينيون في ظروف صعبة للغاية في لبنان، حيث يعاني عدد كبير من الفقر في مخيمات شديدة الازدحام، هي في واقع الأمر أقرب ما تكون لأحياء فقيرة بمبانيها الخرسانية والطرق غير الممهدة والأسلاك المتشابكة. وتزدحم صبرا وشاتيلا في بيروت باللاجئين، حيث تغطي الكثير من الجدران في الحارات الضيقة صور لياسر عرفات ومحمود عباس وشبان قتلوا في الصراع مع إسرائيل. ويقول يوسف حمزة الذي ولد قبل عام من قيام دولة إسرائيل في عام 1948، إنه لا يرى ما ينبئ بتحسن أحوال الفلسطينيين في لبنان، مضيفاً أن محادثات السلام لم تتمخض عن شيء. وقال إن «المفاوضات بلا طائل. الحوار بأسره بلا فائدة لأن ثقافة إسرائيل تقوم على الدم». ويقف حمزة قرب لافتة عند النصب كتب عليها «لن ننسى» ويتفق في الرأي مع آخرين في المخيمين ممن يرون أنه كان ينبغي محاكمة شارون. وقال «عايشت هذا الشخص وعانيت منه. أقول ليذهب شارون لأنصاره في القيادة الإسرائيلية الذين لا يزالون يرتكبون المذابح. اذهبوا إلى الجحيم. موت شارون ليس كافياً».
مشاركة :