يتساءل البعض عن سرّ وجود العامية في الكثير من لغات البشر، قل كلّها. إن مسألة وجود العامية إلى جانب العربية الفصحى، ظاهرة لغوية تأكد منها اللغويون في جميع دول العالم، ولكل منهما مجالاته وظروف استعمالاته، وتعرف اللهجة العامية بأنها طريقة الحديث التي يستخدمها السواد الأعظم من الناس، وتجري بها كافة تعاملاتهم الكلامية، وهي عادة لغوية في بيئة خاصة تكون هذه العادة صوتية في غالب الأحيان. وفي بريطانيا، كمثال، توجد لغة، أو هي لهجة اسمها "الكوكني" يتكلّم بها مجموعة جغرافية كبيرة من سكان العاصمة البريطانية، ولا توجد في مناطق أُخرى. وهي لغة سجع وتقفية، إذا سمعها الغريب لا يحس نفسهُ في الجزيرة البريطانية، بل يسمع "شيئاً" يُشبه المزيج من اللكنات. وهذا مثال عن تلك اللكنة اللندنية، وقد تبدو غريبة لكنها موثقة بأكثر المعاجم: قميص = Shirt = Dicky Dirt حذاء = Shoes = Dinky Doos هاتف = Phone= Dog and bone يُرجع الباحثون أسباب تشكل العامية بلهجاتها المختلفة إلى مجموعة من العوامل منها العامل الجغرافي. فقد تتسع الرقعة الجغرافية للمتكلمين بالهجة، وتفصل بينهم الجبال والأنهار، ويقل التواصل بينهم، فتأخذ اللغة بالتغير شيئاً فشيئاً، ويسلك المتكلمون باللغة مسلكاً مختلفاً عن غيرهم، مما يؤدي إلى حدوث لهجة جديدة. تؤدي الظروف الاجتماعية في البيئات متعددة الطبقات، إلى تعدد الطبقات، وكل طبقة تحاول أن تكون لها لغتها، وأسلوبها قد يساعد انفصال قبيلة أو دولة، واعتناق المذاهب السياسية أو الدخول في الديانات الجديدة على دخول ألفاظ واصطلاحات جديدة في اللغة، تساهم كلها في تخلّق لغة جديدة بظروف جديدة نابعة من سياقات سياسية في الأصل. أو ما سُمّي الصراع اللغوي وربما يؤدي هذا إلى تعدد اللهجات، وانتصار واحدة على أخرى، طبقاً لقوانين لغوية؛ فالأقوى حضارة ومادة يكتب له الانتصار. binthekair@gmail.com لمراسلة الكاتب: aalthekair@alriyadh.net
مشاركة :