مواضعات الجنس الأدبي كانت أقل مرونة من الأعراف الاجتماعية في القرن التاسع عشر

  • 4/30/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ترسم وارهول صورة لفظية للنوع الثالث من "مالا يُمْكنُ سرده" تتطابق مع صورة المسكوت عنه المألوف التقليدي، والمعروف في تجسده التابوي الثالوثي (الدين، السياسة، الجنس)، وتطلق عليه الاسم."the antinarratable"، ال"مضاد لما يمكن سرده". ويندرج تحت هذا المصطلح كل ما يتوقف النص السردي عن التلفظ به أو تمثيله بسبب اختراقه للقوانين والمحرمات والتابوات المجتمعية. فإذعاناً للتابو المجتمعي ضد تمثيل الجنس والتصريح به في العصر الفيكتوري على سبيل المثال، جاءت الرواية الإنجليزية الفيكتورية خالية ًمن المشاهد الجنسية ومن أحاديث الشخصيات عن الجنس، واكتفت بالتعبير عن الاتصال الجنسي بين الشخصيات بالتعبيرات الاستعارية والكنائية والإشارات الضمنية. وكان حرص الرواية الفيكتورية على تفادي خدش الحشمة يشمل الكثير من الوظائف الجسدية مثل إخراج فضلات الجسد. في ضوء هذا يكون الروائي جيمس جويس، على حد قول وارهول، قد أحدث اختراقاً سردياً جديداً بتحويل ال"مضاد لما يمكن سرده" الى "مايمكن سرده" عندما أجلس ليبولد بلوم على المرحاض في روايته "يوليسِس". ليس هذا فحسب، حتى الصدمات النفسية كانت من ال"مضاد لما يمكن سرده"، لهذا كانت تجارب الشخصيات مع الصدمات والأزمات النفسية تقع خارج العوالم المتخيلة في التخييل الواقعي الفيكتوري، ويُكْتفَى بسردها بطريقة غير مباشرة. يُذكِّرُ هذا الإجراء، في رأيي، بالمسرح الإغريقي حيث كانت أحداث معينة كأحداث العنف تقع خارج مكان العرض. شبيه ما يمكن سرده لا يمثل النوع الرابع من "ما لا يمكن سرده" تحدياً للثالوث التابوي أو لقدرة اللغة وإمكاناتها التعبيرية، كما أن النص لا يسكت عنه بسبب توغله في العادية، إنما تملي إقصاءه مواضعات و"أعراف" الجنس الأدبي. وتسميه وارهول " شبيه مايمكن سرده/ the paranarratable"، أوالمحاذي له، حسب معاني البادئة ""para. وتقدمُ المثال على هذا النوع بنقلها قول نانسي كي. ميللر (1980) إن "مواضعات" الجنس الأدبي فرضت انحصار مصير (البطلة) في رواية القرن التاسع عشر "أنثوية المركزية" في الزواج أو الموت، على الرغم من توفر خيارات عدة أمام المرأة في العالم الحقيقي. مايعني أن "مواضعات" الجنس الادبي كانت أقل مرونة من التقاليد والاعراف الاجتماعية، لهذا أدت الى حالات من "ما لا يمكن سرده"، أكثر مما حدث بسبب التابوات. «ما لا يمكن سرده» في الفيلم المعاصر تحت ما يمكن سرده وتقتصر وارهول تنظيرها عن "ما لا يمكن سرده " في الفيلم المعاصر على شرح الدور الذي قام به في خلق "السرد الجديد" عبر توسعته مساحة "مايمكن سرده"، مكتفيةً بتقصي سرد الفيلم لثلاثة أنواع من "مالايمكن سرده". فما كان التخييل الواقعي يقصيه بسبب عاديته ومألوفيته (تحت ما يمكن سرده)، مهد له الفيلم طريق العودة إلى داخل نطاق "مايمكن سرده"، كما فعلت بعض الأفلام التجريبية مثل فيلم (النوم، 1963) لآندى وارهول، وفيلم (أغرب من الفردوس، 1984) لجيم جارموش. في هذه الأفلام، لا شيء يحدث على مستوى الحبكة، لهذا أصبحت كل إيماءة، وكل نفس، ورفة جفن حدثاً يستحق التصوير. وما قام به المخرج سام مينديز في الفيلم (الجمال الأميركي)، مثال آخر على دخول العادي في الفيلم السائد الهوليودي، كما يحدث في مشهد "الكيس"، حيث تتلبث وتتريث الكاميرا لدقيقة على كيس من بلاستيك تدفعه هبة ريح قوية للارتطام بجدار فينفجر. مضاد لما يمكن سرده إن ظهور العضو التناسلي للرجل في فيلم إباحي حدث عادي جداً، لكن ظهوره من أجل عرض كبر حجمه ولو مجرد إنعكاسه على سطح مرآة في أحد أفلام هوليوود لابد أن يشكل صدمة للمشاهدين لانتهاكه التابو بتصويره ال"مضاد لما يمكن سرده/the antinarratable". وهذا مايحدث بالتحديد في فيلم (ليالي الرقص،1997) للمخرج بول توماس أندرسون. كانت تلك اللحظة، في رأيي وارهول، انعطافة في اتجاه السرد الجديد في الفيلم الهوليودي. شبيه مايمكن سرده ويقع اختيار وارهول على فيلم المخرج الأميركي الأسود سبايك لي (يجب أن تحصل عليه،1986) كأنموذج للأفلام التي تحدت مواضعات الجنس الأدبي. فقد كان هذا الفيلم، وهو أول فيلم طويل لسبايك لي، تمريناً شكلياً، حسب قولها، في سرد مشاهد كانت من "ما لا يمكن سرده" حتى تلك اللحظة. فالفيلم يعرض بالتفصيل مشهد امرأة سوداء تدهن شعر رجل أسود بالزيت، ومشهد آخر لرجل وامرأة يقلدان رقصة فريد أستير وجنجر روجرز في أفلام الخمسينات الرومانسية، ومشهد آخر يظهر فيه رجل أسود يغتصب امرأة سوداء. أسست تلك المشاهد انتماء فيلم سبايك إلى السرد الجديد بتصويره "شبيه ما يمكن سرده" الذي كان يتعرض للكبت استجابة لمواضعات الجنس الأدبي. أخيراً، أود القول أن ثالوث المسكوت عنه التقليدي لا يمثل سوى نوع واحد من انواع "ما لا يمكن سرده" الأربعة، القابلة للزيادة والنقص تبعاً للمتغيرات في السياقات الاجتماعية والثقافية والسياسية وتطورات الأجناس الادبية حسب تنظير وارهول. فما يسكت عنه السارد لأنه ليس من المباح في زمن ما لانتمائه لأي نوع من الأنواع الأربعة، قد يصبح موضوعاً للتعبير والتصوير في زمن آخر في نفس المكان، ويكون تمثيله مسهماً في خلق نوع سردي جديد له مواضعاته وجمالياته الجديدة والخاصة. بقي أن أشير إلى مواجهتي، أثناء عرضي لتنظير وارهول، إشكالية ترجمة المصطلحات التي سكتها واطلقتها على انواع "ما لا يمكن سرده" الأربعة. كانت الترجمات التي اقترحت نفسها محيرة لأنها لم تكن قليلة، وهذا ماجعل الاختيار صعباً ومقلقاً للغاية الى آخر لحظة في الكتابة. فإذا كان "ما لا يمكن سرده" لا يستقر على حال، ومتغير ومتحول على الدوام، فإن الترجمات ذاتها قابلة للتغيير، والاستبدال بترجمات أخرى أدق منها وأكثر سلاسة في النطق، وسهولة في الاستخدام.

مشاركة :