لا شك أن تدفق ملايين السعوديين إلى مخارج المملكة ومطاراتها أيام الإجازات يدلل على حاجتهم الماسة للترفيه والترويح . فيما لم يعد السفر حكراً على أصحاب الحسابات البنكية المتضخمة، بل بات إحدى متطلبات الإجازات التي لا تكتمل دونه ، صيفاً كانت الإجازة أو شتاءً ، تواضع دخل الأسرة أم ارتفع رصيدها! فالسعودي الطالب للسفر ، لايرغبه فقط بحثاً عن الجو اللطيف أو المعتدل ، ولكنه يبحث عن الترويح عن النفس والترفيه اللذين يفتقدهما في ربوع بلاده . في ظل ثقافة متشددة اختطفت الفضاء العام لعقود من الزمان ، حُرّمت فيها الفنون ، وذبحت فيها « الحداثة « - بما هي حركة شعرية فكرية ، نشطت في النوادي الأدبية وعلى صفحات الملاحق الثقافية بالصحف - على مقصلة الأيدلوجيا المتزمتة التي صبغت المجتمع وفعالياته بصبغتها القاتمة . ولعلّ من نافل القول أن الايدلوجيا المتشددة التي رُصفت لها الطرق، وسادت ردحاً من الزمن ، لم تقتل فقط بذور الحركة الثقافية والفنية الفتية آنذاك، وإمكانيات تطورها وازدهارها ، ولكنها خنقت فضاءات الإبداع وقدرته على التبرعم والتكون ثم الانبثاق والنمو . كما كوَّنت مناخاً طارداً للفرح ومعادياً للاحتفاء بالحياة ، مما ابتلانا- مع عوامل أخرى مختلفة - بالقابلية للطلبنة ثم التدعشن ، وبمفجّري الأوطان ومفخخّي الأحزمة الناسفة ؛من الكارهين للحياة والمتلحفين بالموت !.كما ساهمت في تهجير الفن السعودي إلى الخارج العربي ، ليتمكن من التقاط أنفاسه والتعبير عن نفسه من جهة ، ناهيك عن هجرة أموال السياحة وتسربها لدول الجوار وغيرها.! كما صحَّرت البيئة وأفقرتها ثقافياً وفنياً وترويحياً من ناحية أخرى ،مما يستدعي حالات النزوح الجماهيري العارمة، التي نشهدها كل عام آناء الإجازات الصيفية الطويلة أو الشتوية القصيرة !. وحدِّث ولا حرج عن الفقر الثقافي المدقع وغياب الفنون الراقية الذي أفسد الذائقة الجمالية وسطَّحها ، فمن ينجو من شَرك التشدد وتهويماته ،كثيراً ما يسقط في هوة التسطيح الفني والهشاشة القيمية. حملت رؤية التحول الوطني انفراجة ثقافية ما ؛ ابتهجت لها شريحة واسعة من السعوديين ، بحلمها الواعد بتحويل الثقافة والترفيه إلى رافدين مهمين لتحسين مستوى معيشة الإنسان السعودي اقتصادياً ومعنوياً . ويأتي - في تقديري - إنشاء هيئتين للترفيه والثقافة ليصب في خانة التخطيط لتحقيق هذه الرؤية . وحتى نعبِّد الطرق لهذه الرؤية فلا بد أن تتضمن استراتيجيات التنفيذ أولاً الاشتغال الجاد والعميق على الخطاب الثقافي ، وتفكيك الفكر النمطي المتشدد الذي يحرِّم الفنون والمسرح والسينما وخلافه ، وينظر دوماً للثقافة ومؤسساتها بعين الاتهام والريبة ، وإعادة الاعتبار للفنون الراقية وإدخالها للمدارس والمناهج ، ليقوم هذا التحول الثقافي على بنية فكرية متينة تدعمه وتؤسس له . لايمكن أن ينهض الترفيه أيضاً ويزدهر إلا في مناخ من الحريات المنضبطة بالقانون ، وهذا يستدعي حزمة من القرارات والأنظمة مثل سن قانون التحرش ، والسير قدماً في رفع مستوى الحريات الفردية . تحقيق هذه الرؤية أيضاً يقتضي استقلالية المؤسسات الثقافية لتتحول إلى مؤسسات مجتمع مدني مؤثرة وفاعلة ، وإخراجها من كهوف النمطية المتبلدة إلى رحاب تغيير نوعي حقيقي جاذب للشباب وموائم لحيويته وتطلعاته . وفتح الآفاق لتكوين اتحادات الأدباء والنقابات المستقلة ، وكافة عناصر المجتمع المدني الفاعل لتكوين حركة ثقافية قوية ، قادرة على إحداث تحول اجتماعي يحتضن التحديثات المتوقعة في حقلي الترفيه والثقافة ، يكون فيها المواطن شريكاً في صناعة القرار ، ومراقباً لخطوات سير الحركة وفاعليته . amal_zahid@hotmail.com
مشاركة :