علماء الحاجة! | محسن علي السُّهيمي

  • 5/4/2016
  • 00:00
  • 87
  • 0
  • 0
news-picture

ميدانيًّا يزدحم كوكبنا الأرضي البائس بالحروب والفتن والقلاقل التي يتم إذكاؤها لتكون وقودًا للعبة المصالح السياسية والغايات الدنيئة للإمبراطوريات العظمى، وفضائيًّا يمتلئ فضاؤنا بالأفكار المتضادة التي تتخطَّف فرائسَها وترمي بها في مهاوي الفتن والشبهات. ونحن لا نعدو عن كوننا جزءًا من هذا العالَم الذي تمور فيه الفتن والشبهات، ولسنا بمنأى عن أحداثه المستعرة، خصوصًا في ظل الوسائط الإعلامية المتعددة التي حوَّلت العالم من قرية صغيرة إلى جهاز كفِّي حوى العالَم وأحداثه، والكون وغرائبه، والماضي بكل حمولاته، والحاضر بكل تجلياته، والمستقبل بكل مفاجآته إلا ما شاء الله أن يُحجَب. تأسيسًا على ما سبق، فإن بعض شبابنا اليوم تتقاذفه أيدي المنظِّرِين للفتن والشبهات، وغاياتها النهائية أن تجعل منه وسيلة مثالية لبلوغ مُرامَها في زعزعة مبادئه وقيمه وولائه، من هنا جاءت الحاجة للعلماء الراسخين الذين يستنبطون الأحكام ويزنون الأمور (بميزان الوحيَيْنِ). فتاوى العلماء أصبحت اليوم -وفق أهواء ورغبات طرَفَي النزاع على الشباب- محلَّ تجاذبٍ ومحطاتِ تزوُّدٍ؛ لتعزيز المواقف وإسكات الخصوم؛ فترى كل طرف ينحاز (بشدة) إلى فتاوى العلماء التي تُؤيِّد موقفه وتُرجِّح رأيه، لا قناعةً بها وامتثالاً لما تقتضيه، وإنما لموافقتها رغباته وتوجُّهَاته. العجيب أن المستمسكِين ببعض فتاوى العلماء هم أنفسهم من ينقلب عليها حال وفائها بأغراضهم، وهم أنفسهم مَن يضرب بالبعض الآخر منها عرضَ الحائط حينما لا تتطابق مع رغباتهم وتوجهاتهم. لعلي هنا أسترجع موقفًا (واعيًا) لمندوبنا الدائم لدى منظمة اليونسكو الدكتور زياد الدريس، هذا الموقف حصل قبل حوالى (11) سنة خلال المؤتمر الذي نظّمه أدبي أبها عن (المنهج الخفي)، وكان الدكتور زياد وقتها رئيسًا لتحرير مجلة (المعرفة). ما علق بالذاكرة من كلامه أنه قال -ما معناه-: نلوم الشباب الذين لا يأخذون بفتاوى العلماء وننسى أننا نحن لا نأخذ من فتاوى العلماء إلا ما يُوافق رغباتنا، أما ما يُخالفها فلا نأخذ به. وكأنَّى به يريد أن يقول: إن مواقفنا من فتاوى العلماء لا تختلف عن مواقف هؤلاء الشباب؛ فجميعنا (نحن والشباب) نأخذ ما يُوافق رغباتنا وتوجهاتنا ونُشدِّد عليه ونجعله حجةً على الخصوم ومبرِّرًا لممارساتنا مهما كانت نتائجُها، ونطرح ما يُخالف رغباتنا وتوجهاتنا ولا نلتفت إليه، بل نعدُّه غير متوافق وروح العصر وحركة الزمن. وقد اتصلتُ عليه في حينه وشكرتُه على موقفه النبيل. فتاوى العلماء ليست وحيًّا مطهَّرًا، لكنْ ما دام أن السُّلطة العليا أقرَّتها وارتضيناها فينبغي أن نصدر (جميعًا) عنها لا أن نأخذ منها ما يُعزِّز مواقفنا ويُسمِّن حججَنا ويُسكت خصومَنا، ونكفر -قصدًا- بما وراء ذلك؛ حتى لا يكون العلماء بهذه الصفة (علماء حاجة)، وحتى لا نفتح للشباب المحتارِ أبوابَ التطرفِ ونوافذَ الشَّكِّ. Mashr-26@hotmail.com

مشاركة :