للعلماء الربانيين -في أي زمان وُجِدوا وفي أي مكان حَلُّوا- أثرُهم الواضحُ على أفكار أتباعهم ومريديهم. هذا التأثير مستمَدٌّ من كونهم مبلِّغين شرع الله وأحكامه لعباده الذين قَصُر فهمهم عن إدراك بعض المسائل، أو جهلوا بعض الأحكام. ومن كونهم - كما هو المفتَرَض- أقربَ للإخلاص والتقوى والصدق مع الله تعالى ومع أنفسهم والناس. العلماء كما أنهم حريصون على سلامة عقائد الناس، وعلى سموِّ أخلاقهم وصدق تعاملاتهم من خلال وعظهم ودروسهم ومؤلَّفاتهم فهم بالمقابل حريصون على ما يكفل للناس أمنهم واستقرارهم، وهذا الأمن لا يتحقق بشكل فردي بل يتحقق عن طريق الأمن الكلي للوطن الذي يستظل به الحاكم والعالِم والمتعلم. بالأمس وجه الملك (عتاب المحب) للعلماء والمشائخ حينما أحس منهم بعض الصمت تجاه ما يجري حولنا من نزاعات لسنا بمأمن من شظاياها القصدية وغير القصدية، الظاهرة منها والمستترة. الملك عندما وجه عتابه للعلماء والمشايخ لم يكن القصد منه النفي الكلي لجهودهم، ولا غمط أدوارهم في محاربة الفكر الضال على مدى عقدين من الزمان، إنما كان قصده بعث الهمة وزيادة الجهد المبذول لجلاء الأحداث وكشف الواقع؛ تذكرةً وتبصيرًا للجميع ليكونوا على بينة من أمرهم، غير أن البعض نحا بعتاب المحبة إلى غير مقصوده ومرامه الذي جاء من أجله. وعليه فمن الإنصاف ذكر بعض الجهود التي بذلها العلماء والوعاظ والخطباء ولا يزالون؛ من أجل فضح الأفكار المتطرفة التي لا تنتسب للإسلام بنسب. لقد شدد العلماء والوعاظ والخطباء كثيرًا على خطر الإرهاب، شددوا كثيرًا على وجوب الولاء والطاعة، شددوا كثيرًا على أهمية المواطنة الصالحة، وهو ما يَرجح (كثيرًا) بكفة تحذيرهم من خطر الفساد والمخدرات والبطالة والإلحاد جميعها، حتى إن "الشؤون الإسلامية" التي تُعد من أعمدة المؤسسة الدينية ملأت خطاباتُها أدراجَ الأئمة والخطباء وهي تلزمهم بالحديث والخطابة عن الإرهاب وخطره، والأمن وأهميته، والولاء والطاعة ووجوبهما. غير أن السؤال الذي يقفز إلينا مباشرة هو: لماذا لم يكن التأثير في وعي المتلقي بالصورة المُثلى المأمولة وهو ما استدعى عتاب الملك؟ لن أُذيع سرًّا إن قلتُ إن الحملات الإقصائية المنظَّمة المضادة لفتاوى وتوجيهات العلماء عبر عقدين من الزمان آتت أُكلَها ممثلة في نفور الشباب -على وجه الخصوص- من فتاوى وتوجيهات العلماء. وعليه، فلا غرابة أن تأتي حالة النفور تلك حينما نعلم أن الحملات الإقصائية إياها أَسقطت على بعض العلماء أوصافًا (قاسية) حفلت بها وسائط الاتصال ووسائل الإعلام المتعددة. ومما زاد الأمر سوءًا أن أصبحت فتاوى العلماء خاضعة للأهواء والأمزجة، بحيث يؤخذ بها متى وافقت هوى النفس، وتُرد متى خالفت هواها. أذكر في هذا المقام أنني كتبت قبل ست سنوات مقالاً في هذه الصحيفة بعنوان (الانتقائية في الفتوى وعقلية التضاد) ومما جاء فيه "إن الانتقائيةَ للفتاوى المتوافقة مع الرغباتِ، والإقصائيةَ العمديةَ لفتاوى العلماء المخالفة لهوى النفس قدحٌ لشرارة الفتنة وإذكاءٌ لنار الفوضى بين أبناء الوطن الواحد". وعن انعكاسات تلك الانتقائية وتلك العقلية قلت إنها "لن تكون إلا حنظلاً تغص به البلاد مما يمنّي الأيدي القذرةٍ بإذكائه ". لن يكون لفتاوى وتوجيهات ومواعظ العلماء قبول لدى الشباب ما دام أن هناك من يؤمن ببعض فتاواهم ويرد بعضها بحسب هوى النفس، وما دام أن هناك من يُؤوِّل بعض اجتهاداتهم تأويلاً فاسدًا ثم يجلب عليهم بخيل الكلمة ورَجِل الاستعداء . وبعد.. فمما يعزز ثقة الشباب في العلماء أمران: الأول- ظهور صوتهم ووضوح رأيهم في النوازل كلها لا بعضها. الثاني- ألا يَبقوا صامتين حتى يُطلب منهم البيان والإفصاح. Mashr-26@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (52) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :