حين تتهاوى أعمدة الزواج، المبني على التفاهم، والانسجام، والرغبة المشتركة في حياة واحدة يظللها الدفء، والمودة، والرحمة، يأتي الطلاق كحل أخير وحاسم للمشكلات الأسرية المتفاقمة بين البعض، وعلى الرغم من أنه أبغض الحلال عند الله سبحانه وتعالى، فإنه ربما يكون الفيصل المحوري، لوضع الخاتمة لحياة تهدمت فيها أعمدة الوفاق والاتفاق بين الزوجين. يترك الطلاق تبعاته السلبية على الأبناء، فمع ابتعاد الأب عن الأم، وذهاب حضانتهم على الأغلب لها، تطل المشكلة الأساسية، المتمثلة في رؤيتهم، إذ يعمل عدد من المطلقين على الانتقام من مطلقاتهم، والثأر منهن لحصولهن مثلاً على نفقة كبيرة، أو على حق الحضانة وما يترتب عليها من إعطائهن نفقات تلبية متطلبات واحتياجات الأطفال، وغير ذلك من التفاصيل الأخرى، عن طريق الإساءة للأبناء، بإهمال متابعتهم، وتركهم للخادمات، أو لأي من أفراد أسرة الأب وذلك خلال الأيام المحددة لمبيت الصغار لديهم، وفقاً لحق الرؤية المقرر. كيف يمكن أن يكون الطلاق ناجحاً بمراعاة استقرار نفسية الأطفال، والحفاظ عليها في أفضل حالاتها؟ وكيف تتحقق الرؤية السليمة للمحضونين في أجواء صحية، لا يكونون فيها ضحية لانتقام المطلق من مطلقته، من خلال الإساءة لفلذات الأكباد بأي صورة كانت؟ وما هي الضوابط المفروضة لتنفيذ رؤية آمنة للصغار، لا يشعرون فيها بالغصة، والرفض، والأذى النفسي أو حتى البدني ولو في أضيق الحالات؟ أسئلة كثيرة نحاول الإجابة عنها خلال التحقيق التالي.. تكشف شيخة بالهول، الباحثة القانونية في قسم الاستشارات القانونية في إدارة مراكز التنمية الأسرية التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، أن 20% من إجمالي الاستشارات الواردة للقسم، عبارة عن إشكاليات تتعلق بقضايا الرؤية، والحضانة، محددة بعض مشكلات الرؤية التي يتعرض لها عدد من المحضونين، وتؤثر فيهم بشكل كبير، وتضر بنفسياتهم، والتي يعمد إليها بعض أصحاب الحق في الرؤية من الآباء، للانتقام من الأمهات المطلقات. وتوضح أن الأب يترك الطفل للخادمة لتتولى شؤونه خلال الأيام المعدودة التي يقيم فيها عنده أسبوعياً، أو يتركه لزوجته التي ربما تسيء معاملته، أو تحتد عليه، أو تشكوه مدعية كذباً ارتكابه أفعالاً سيئة، وغير ذلك من أساليب التعامل السلبية التي تترك آثارها السوداوية في نفسية الصغير من هؤلاء، بما يدفعه في كثير من الأحيان لرفض الانصياع لرؤية والده، من دون فائدة، وفق بالهول. وتقول: من الأمهات الحاضنات من تحاول تجنيب طفلها التعرض للمعاملة السيئة من الأب صاحب الحق في الرؤية، بالامتناع عن السماح له برؤيته، إلا أن مسؤولي مركز تنفيذ الرؤية أصروا على وجوب رضوخها لمنح الأب الحق في رؤية طفله، فإذا امتنعت عن ذلك من حق الأب رفع دعوى إسقاط الحضانة عنها. وتضيف: نتمنى أن تعمل المحكمة المختصة قبل الحكم بالرؤية، على تشكيل لجنة تضم اختصاصياً نفسياً، وقانونياً، واجتماعياً، لدراسة الحالة التي سيحكم لها بالرؤية، من جميع النواحي، ووضع الحل الأنسب لمصلحة الطفل، وعلى إدارة الرؤية رفع الملاحظة التي تبديها أي من الأمهات بشأن تأثر المحضون نفسياً ودراسياً من الرؤية، مع رفع هذه الملاحظة للمحكمة، التي عليها تحويل الموضوع للجنة المختصة لتقييم الوضع. وتطالب بالهول بضرورة السماح للأبناء الذين أكملوا الخامسة عشرة من العمر التواصل مع الآباء أصحاب الحق في رؤيتهم، في أي مكان خارج مركز الرؤية، لتجنب تأثير المنع فيهم بالسلب، في ضوء كونهم على قدر من الاستيعاب الكامل لواقع حال أسرهم، وللوضع الذي هم عليه. وتشير إلى أنه من الضروري تعاون الآباء والأمهات مع قسم الاستشارات القانونية في إدارة مراكز التنمية الأسرية في الشارقة، وعدم التعنت في تنفيذ أحكام الرؤية، بيسر ومن دون مشكلات، والانصياع لتوجيهات مراكز التنمية الأسرية في هذا الشأن، إذ يتركز هدفها الرئيسي في رعاية المحضون، وتربيته بصورة سليمة، بعيداً عن التوترات، والمنغصات، لافتة إلى أن القانون بشكل عام وضع التشريعات التي تحفظ الحضانة، والنفقة، والرؤية بشكل صحيح، لكفالة حياة سليمة للأطفال، حتى لا يتأثر مستقبلهم لاحقاً. فاطمة المهيري، رئيسة لجنة شؤون الأسرة في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، تشدد على أن الطلاق يعتبر أكبر تهديد يواجه الأسرة، ويؤثر في مستقبل الأبناء والأجيال، رغم كونه النهاية الحتمية لعلاقة أسرية لم يحالفها النجاح، فإن الآثار السلبية المترتبة فيه تكون أكبر، ويتسع نطاقها حال وجود أطفال، بما يترتب على الأزواج والزوجات إدراك هذا الأمر بشكل واضح، وعليهما أن يتحملا المسؤولية المترتبة على ذلك. تقول: يعتقد الوالدان أن الأبناء يتقبلون انفصالهما دون تفكير، أو إدراك لتأثير الأمر في نفسيتهم، أو الوعي بالأسى الذي سيصاحبهم في جميع مراحل حياتهم، فالانتقال للعيش بين منزلي الأم والأب، يكرس الشعور لدى الطفل بعدم الاستقرار، بما يؤثر في سلوكياته، ويؤدي بالتالي إلى أن يكون أكثر عرضة للمشكلات السلوكية، والأمراض الصحية، فضلاً عن الاضطرابات النفسية، والشعور بالحرمان، أو نقص الإشباع العاطفي، بما ينعكس على التحصيل العلمي للابن، ويؤدي لتراجعه دراسياً، لافتقاره للأجواء الأسرية الصحية. وتضيف: على الآباء والأمهات التواصل بشكل فعال مع أطفالهم بعد الطلاق، ويتعين عليهم إدراك أن الانفصال ربما يكون أسهل على الأطفال حينما يتم التمهيد له بشكل صحيح، عن طريق مناقشتهم فيه، ومشاركتهم الأمر بهدوء، والتأكيد على أنهم لا علاقة لهم به، ويجب على الوالدين أن يراعوا الاحترام المتبادل فيما بينهم، وعدم تقليل أي طرف من شأن الطرف الآخر، وعليهما بشكل أساسي عدم إظهار الخلافات والمشاكل التي بينهما أمام الأبناء، حتى لا يكونا سببا في شقائهم، وتدمير حياتهم. وترى أن على الوالدين الحرص على التواصل الدائم والمستمر كلما كان ذلك ممكناً، على أن تسود اللقاء أجواء إيجابية مفعمة بالحنان، وتجنب استجواب الأطفال عما يحدث في المنزل الآخر، كما أنه من الضروري بمكان اتباع الوالدين سياسة متزنة في من التفاهم على معاملة الأطفال سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، فضلاً عن تجنب الدخول في المقارنات مع الطرف الآخر، بحسب المهيري. وتؤكد أن مقدار الوعي، والإدراك والاهتمام والحرص على مصلحة الأبناء من الطرفين أمر لا غنى عنه للصغار، ويجب أن يتعدى جميع المشكلات التي تعترض العلاقة بين الوالدين بعد الطلاق، ومن الضروري تغليب مصلحة الأبناء على المصالح الأخرى على اختلافها. ووقف الشرع موقفاً واضحاً من قضية الطلاق ورؤية الأبناء، في حال كان قرار الانفصال هو الأمثل لحل مشكلات الحياة الزوجية المعقدة، بحسب ما يرى سالم أرحمه الباحث الشرعي، فلابد من حماية الأطفال من التعرض لتداعياته، حيث تبدأ معاناة الأطفال، وتزداد إذا لم يتوقفا عن الصراع مجدداً في شأن الصغار (من حيث الحضانة والنفقة والرؤية... )، ويؤكد أن الأهم في هذه المرحلة هو الاتفاق على ما يخص مصلحة الأبناء، ليشعروا بالاستقرار بعد انفصال الوالدين، وليتأقلموا مع التغيير المفاجئ الذي طرأ على حياتهم من دون ذنب. واعتبر أرحمه أن الطلاق من الممكن أن يكون تحولاً إيجابياً في حياة الأطفال إذا جرى بطريقة صحية وتربوية من خلال التمهيد له بشكل صحيح، عن طريق مناقشتهم ومشاركتهم الأمر بهدوء. معطيات مجتمعية عن وجهة النظر القانونية في تحديد رؤية المحضونين وفقا لضوابط معينة، يقول عبداللطيف العلماء،القاضي في محاكم دبي: حق رؤية الأب لأولاده عند سكنهم برفقة حاضنتهم، كانت ولا تزال محل نقاش بين مؤيد ومعارض، وبحق فإن كلا الطرفين وجهة نظر معتبرة، إلا أن المشرع عندما يعالج مسألة ما يتوخى عند التشريع وضع مواد تكفل معالجة المشاكل، وضمان تقليلها إلى اقل نسبة وذلك وفق نظرة حيادية وبمعطيات مجتمعية. ويضيف: المشرع لا يستطيع أن يلغي حق الرؤية بداعي أن هناك آباء متسلطين يستخدمون هذا الحق عبثاً في أولادهم وغيظاً في مطلقاتهم، وكذلك لا يستطيع أن يفتح المجال على إطلاقه حتى لا يكون سيفا مسلطا على رقاب الحاضنات. ومن هذا المنطلق جعل المشرع حق الرؤية حقاً مشروعاً وفق ضوابط يحددها القاضي لكل حالة على حدة، ويجتهد في ذلك أن يعطي كل ذي حق حقه، بما يسعد الوالد بنظر أولاده ويسعد الأولاد برؤية والديهم، والشعور بوجوده معهم، وكل ذلك بما لا يضر بمصلحة الحاضنة والأبناء الذين تقع دائما تبعات هذا الأمر عليهم. حق ثابت تنفيذ أحكام الرؤية والحضانة إجمالاً يوجب الالتزام الكامل بحسن رعاية ومعاملة المحضون من قبل الحاضن وصاحب الحق في الرؤية، والابتعاد عن تعريض المحضون لأية قسوة، أو إهمال، وعن ذلك يقول محمد راشد رشود الحمودي، نائب رئيس مجلس أولياء الطلبة والطالبات في دبا الحصن: الأب له الحق الشرعي في رؤية المحضون، فالرؤية حق ثابت من باب صلة الرحم، ومن خلال متابعتي لتلك الحالات بحكم أني كنت موظفاً في إحدى محاكم الدولة ، هناك خلافات في مسألة الحضانة، بالرغم من صدور حكم المحكمة بذلك، ولكن تحدث بسبب رغبة بعض المطلقين والمطلقات في الانتقام. ويرى أنه من الضرورة وجود اتفاق مشروط من قبل المحكمة المختصة، بحسن معاملة المحضون من قبل صاحب الحق في الرؤية، على أن يعتبر الإخلال ببنود الاتفاق مخالفة تتوجب المساءلة القانونية.
مشاركة :