وقع بين يدي كتاب يحمل عنواناً باسم «كبسولات نفطية» رحلة الرعاية الصحية في دول الخليج والعالم، ومؤلفه طبيب سعودي هو الدكتور نايف بن عبد الله بن دايل، والكتاب يستهوي من ألِفَ الأرقام، وتعامل معها، فهو مليء بالإحصائيات والمقارنات، وتحليلها بأسلوب ولغة جميلة وما يجعله أكثر فائدة أنه حديث الصدور والإحصاءات، ولا يمكن لمقال واحد أن يلقي الضوء على ما فيه. وسأقفز إلى الإحصائيات المتعلقة بالقرارات الشخصية وأثرها على الصحة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية تبين أن القرارات الشخصية تسبب 55% من الوفيات لمن تتراوح أعمارهم بين 15-64 سنة، ويمكن التمثيل على هذا الاختيار بالشخص المحصن من التدخين، ونوعية الغذاء، وكميته. ولو تم التركيز على نسبة المدخنين في بعض دول العالم والتي تبلغ أعمارهم أكثر من 15 عاماً، لوجدنا أن تركيا بها أكثر من 44% من الذكور يدخنون التبغ، وأن البحرين بها 40%من المدخنين الذكور، في الوقت التي يدخن بالمملكة أكثر بقليل من25%من عدد الذكور، بينما الكويت35%، والإمارات أقل بقليل من20%، ومثلها قطر، ونحوها عمان، وكل ذلك ما عدا البحرين أقل من المعدل العالمي البالغ أكثر من 35% بقليل، بينما الأوروبي أقل من المعدل الخليجي. هذه العادة المضرة، يمكن بكل سهولة التخلص منها بقرار فردي، دون عناء نفسي أو جسدي وإنما إرادة يصحبها تطبيق، وهذا ممكن ومتيسر لمن غلب عقله هواه، وآثر صحته على سقمه، وأدرك بأنه بمحض إرادته يستطيع أن يغير الكثير من عاداته المضرة، ومنها عادة التدخين، والأمر لا يحتاج إلى طبيب، أو سيجارة مصطنعة، أو غيرها من الأدوات الأخرى المساعدة على النأي بالنفس عن الضرر. في تحليل اختص بمجالات أمراض القلب والسرطان يذكر المؤلف أن نسبة الوفيات المرتبطة بالقرارات السلوكية كانت 46% و66% على التوالي، وهذه نسب عالية يمكن للمرء الحد منها، بسلوكيات غذائية ونمط معيشية مناسبة، ولا يمكن للطب ومعداته، ووسائل تقنياته، أن تحد من المرض، وفتكه إذا لم يصاحب ذلك تغير في أنماط الحياة الاجتماعية، والغذاء، وممارسة الرياضة، وغيرها. حوادث السير هي في الواقع، ذات نسبة مرتفعة في دول الخليج، وتشكل نسبة كبيرة من أسباب الوفاة والإعاقة، وهذا مرده للسرعة الزائدة من سائق مستعجل للحاق بأصدقائه لقضاء بعض الوقت في لعب الورق، أو الحديث عن أحوال الدنيا المتقلبة في هذا العصر الغريب، وكأن لديهم مفاتيح الحلول، وأدواته، أو ليأخذ قسط من النوم استعجل عليه بضع دقائق، أو ليبقى مستلقياً على فراشه، أو في مجلسه يشاهد التلفاز، أو بين يديه هاتفه الذي يتنقل خلاله من تغريدة إلى أخرى، وفي الغالب فإنه حديث غير مثمر لا للنفس، ولا للوطن، ولا للمجتمع. لقد أثبت الدراسات أن سبب الوفيات في حوادث سير المركبات في المملكة مرده إلى السرعة الزائدة، كما أوضحت دراسة وفاة شخص واحد في المملكة، وإصابة أربعة كل ساعة في المتوسط، وهذا يوضح سبب كون حوادث سير المركبات يحتل المرتبة الثالثة في الوفيات وكذلك الأمر في دولة الكويت رغم صغر مساحتها، أما في عمان فهي تحتل المرتبة الأولى في الوفيات متجاوزة أمراض القلب والشرايين، ومعدل الوفيات في المملكة يصل إلى 27 شخصاً لكل مائة ألف من السكان وهذا يفوق المعدل العالمي البالغ نحو 20 حالة لكل 100 ألف نسمة. بينما هي في المملكة المتحدة، والسويد لا تتجاوز ثلاثة أفرد لكل مائة ألف من السكان. أن من المؤلم حقاً أن ذلك المعدل في ازدياد، فهناك ثلاث دول أظهرت زيادة معدل الوفيات بسبب الحوادث بين عامي 2010-2015. وإن ما يحز في النفس أن البلد تفقد فلذات أكبادها من الذين آثروا السرعة وعدم الالتزام بقوانين السير، وكذلك أولئك الملتزمين بالسير والذي كانوا ضحية لأولئك المتهورين. سلوك آخر بمخض إرادة الفرد قد يؤدي إلى وفاته، وهو السمنة، إذ أن عدم مزاولة الرياضة، إضافة إلى سوء التغذية، وعدم اختيار الغذاء الصحيح وليس عدم توفره سبباً آخر من أسباب الأمراض، ومن ثم الوفاة، كما أن السمنة وما يصاحبها من أمراض تشكل عبئاً على ميزانيات الدول والأفراد، فمعدل انتشار السمنة بين الأطفال في الكويت بين 6-18 عاماً، وصل إلى نسبة عالية نحو 30%. إن التثقيف والتعليم بمفرده لا يمكن أن يكون كافياً إذا لم يصاحبه، قدوة في المنزل والمدرسة والمجتمع، وإرادة قوية يمنع الإنسان من الضعف أمام هواه، ومن المحزن حقاً أن هذا الوضع النفسي في تغليب الهوى في جميع مناحي الحياة يعتبر سائداً في بعض مجتمعاتنا العربية. مقالات أخرى للكاتب رؤية جديدة الذاكرة اليوم التعاون الإسلامي ما بعد النفط ملاحظات ثلاث
مشاركة :