كالعادة.. حاولت الإدارة الأميركية استغلال الأزمة الطارئة بين الصحافيين المصريين ووزارة الداخلية، لكي تدس أنفها في شؤون مصر، وسارع وزير الخارجية الأميركي جون كيري للقيام بهذا الدور المشبوه. لكن الصحافيين المصريين رفضوا على الفور هذا التدخل من خلال مجلس نقابتهم ـ ومن خلال جمعيتهم العمومية التي اجتمعت لتناقش الأزمة الطارئة،ـ وأعلن الصحافيون ـبكل وضوح وحسم ـ أن الخلاف مع وزارة الداخلية حول واقعة اقتحام مبنى النقابة هو شأن داخلي سيتم حله في الإطار الوطني، وأن التدخل الأجنبي مرفوض شكلاً وموضوعاً. هذا الموقف وحده يشرح القضية الأساسية كما أراها، أو جانباً رئيسياً فيها على الأقل، فمصر مستهدفة من قوى خارجية معادية، بالإضافة إلى بقايا الفساد القديم، وفاشية الإخوان وأعداء 30 يونيو التي استعادت الدولة وأنقذت ثورة يناير وأعادتها إلى المسار الصحيح. وفي خلفية ما حدث ينبغي أن نذكر ما يلي: إن الصحافة المصرية كانت أحد الصناع الرئيسيين لـ30 يونيو. وأن الصحافيين المصريين كانوا في مقدمة الصفوف في المعركة ضد حكم الإخوان. وفي الدفاع عن صحافة مصر ضد عملية الأخونة التي استهدفت السيطرة على الصحف الأساسية. وفي الدعوة لإسقاط فاشية الإخوان والتمهيد لثورة 30 يونيو على حكم الإخوان. إن نقابة الصحافيين المصريين كانت على الدوام هي قلعة الحريات وحصن الديمقراطية. وقبل أيام فقط كانت مصر تحتفل بالعيد الماسي للنقابة، وبمرور 75 سنة كانت فيها هي المعبر عن ضمير الوطن، وكان الاحتفال تحت رعاية رئيس الدولة الذي يقدر جيدا صحافة مصر ودورها الوطني. إن توقيت الأزمة يثير الكثير من علامات التعجب. حيث كنت كرئيس للهيئة الوطنية التي أعدت مشروع القانون الجديد للصحافة والإعلام مع وفد يمثل الهيئة، قد انتهينا من مراجعة القانون مع وفد يمثل الحكومة، وانتهينا إلى التوافق على مشروع قانون يليق بصحافة مصر وإعلامها، تمهيدا لإقراره من الحكومة وإحالته لمجلس النواب، ليصدر القانون معبرا عن روح الدستور الذي ينحاز لحرية الصحافة والتعبير.. فمن الذي له مصلحة في تعديل ذلك؟! إن الأزمة تأتي، بعد أزمات أخرى ثارت مع المحامين والأطباء، وفي وقت تخوض فيه قوات الشرطة مع القوات المسلحة المصرية حربا شعواء ضد جماعات الإرهاب في سيناء وفي مختلف أنحاء مصر. وهنا ينبغي التأكيد أن مصر كلها على قلب رجل واحد ضد الإرهاب، وأنها لن تسمح للجماعات الإرهابية وأولها الإخوان باستغلال أي خلاف بين القوى الوطنية مهما كانت التضحيات في سبيل ذلك، لكن توالي الأزمات مع فئات المجتمع يعني أن هناك اختراقا من جانب القوى المعادية للثورة في هذه المرحلة الحاسمة والدقيقة في تاريخ مصر والعالم العربي. إن توالي الأزمات مع فئات المجتمع من المحامين إلى الأطباء إلى الصحافيين، يعني أن هناك مخططا تقوده أفراد موالين لتنظيم الإخوان للوقيعة بين النظام وبين فئات مؤثرة في المجتمع. وأن هناك في بعض الأجهزة من يشارك في هذا المخطط، وأن هناك من يريد تصوير الأزمة على أنها أزمة مع الدولة، ومن يريد تعطيل قوانين الصحافة الجديدة، أو استعداء الحكومة والبرلمان ضدها. إن من يحاولون (في الداخل أو الخارج) استغلال الأزمة بين نقابة الصحافيين وأجهزة الشرطة، على أنها أزمة مع النظام هم واهمون، هناك أخطاء وقعت، وسيتم تصحيحها. وهناك أزمة سيتم تجاوزها، وهناك حقائق لا بد من التعامل الجاد والحاسم معها، وفي مقدمتها أن تدعيم الحريات الصحافية هو التحصين الأمثل للنظام وللدولة. وأنه لم يعد هناك مفر من محاسبة من يتعمدون إشاعة الفرقة في صفوف قوى 30 يونيو التي استعادت لمصر هويتها وثورتها، وأنه لا مجال للعودة للوراء، ولا مكان للحديث عن تقييد للرأي أو صدام مع الصحافة، وأن الأزمة التي وقعت قد تكون باباً لتصحيح العديد من الأخطاء، وأن كل من يحاولون استغلالها ضد مصر، سيدركون أنهم يسيرون في الطريق الخطأ. ستبقى صحافة مصر بخير وستبقى نقابة الصحافيين المصريين قلعة للحريات ومنارة للرأي الحر والفكر المستنير وسيتم تصحيح الأخطاء التي وقعت، ومحاسبة من ارتكبوها، وستبقى المهمة الأصعب بالنسبة للجميع: كيف نحافظ على تحالف 30 يونيو لنبني مصر التي يتمناها كل المصريين والعرب.
مشاركة :