حدث الثورات العربية كان بمثابة رسالة مهمة موجهة للاستبداد في شكليه السياسي والديني، بصرف النظر عن مرحلة عدم الاستقرار والتذبذب التى تلت ذلك. ودور الصحافة في ذلك كان واضحاً بشدة، خصوصاً مع توافر مناخ من الحرية أتاح صدور صحف مستقلة في مجتمعات كمصر جاءت بروح جديدة تواكب انتشار ثورة المعلومات وعالم القنوات الفضائية، حيث ملأ هذا الثلاثي فراغاً طالما لعب عليه الاستبداد في عقول هذه المجتمعات، فأعطاها زاوية جديدة لرؤية الحقيقة. لكن إذا كان هذا هو الدور المهم الذي لعبته مهنة الصحافة في عودة الوعي إلى المجتمعات، فما هو الوجه الآخر لمهنة البحث عن المتاعب؟ أليست لها سلبيات؟ أليس هناك من ينتقص من مكانتها ممن ينتمون إليها؟ لم يكن ممكناً أن يظهر هذا الدور للصحافة والإعلام من دون أن تكون هناك حرية في النشر وتوجيه الانتقاد، ولا يختلف أحد حول أن الفترة السابقة لثورة يناير شهدت قدراً كبيراً من حرية للعمل الصحافي والإعلامي بين صحف حكومية وصحف حزبية وصحف خاصة يملكها والسؤال: هل الصحافة الآن تعمل في إطار الظروف والمتغيرات نفسها التي كانت تعمل فيها في السابق؟ الواقع تغيَّر على مدار السنوات الخمس الماضية، فيما لم تتغير الصحافة وآلياتها القديمة. فعلى رغم قصر الزمن، أي السنوات العشر بين بزوغ نجومية الصحف المستقلة وبداية خفوت توهجها، فذلك في ظل الثورة المعلوماتية عمرٌ طويل. وعدم التأقلم هذا خلَق فجوة في عملية النجاح والأخلاق والقيم المهنية. فبعدما كانت الصحف المستقلة تتمتع بالمصداقية أصبحت تفتقدها لتغريدها خارج سرب التفاعلات داخل المجتمع، على عكس ما فعلته في العقد الأول من الألفية الجديدة. وهو الأمر الذي أثَّر سلباً على الأخلاق المهنية، فباتت تتطرق إلى أساليب استفزازية باللعب على قضايا تبدو في الظاهر دفاعا عن الحق، ولكنه حق يراد به باطل. فقد بدأت أمراض الصحافي الذي صعدت به المهنة في عز نجاحها إلى القمة تظهر فــي شكل مــن النرجــسية والانتهازية وإساءة استخدام المكانة الصحافية، مع الانتقال من الدفاع عن القضايا العامة والمجتمعية إلى الدفاع المتستر عن قضايا خاصة... الخ. فمن المعروف أن الدولة بمؤسساتها هي المخولة استخدام العنف والقوة لردع المخالفين للقانون ولبسط الأمن، والأمر لا يسلم هنا من تجاوزات، بحيث يكون السؤال: كيف ننتقدها في حال تجاوزها في أداء أعمالها، وليس ابتزازها مثلما يحدث الآن في المشكلة القائمة بين نقابة الصحافيين ووزارة الداخلية عقب القبض على صحافيين اعتصما داخل النقابة صدر في حقهما أمر ضبط من النيابة. نعم تمت إساءة استخدام للقوة من الشرطة وهي التي من المفترض أن تنفذ القانون. فهذه المؤسسة لها أخطاؤها الكثيرة بدليل ثورة 25 يناير، ولكن هل المدخل الصحيح أن ننقدها ونبرز أخطاءها، أم أن يتم ابتزازها لتحقيق مكاسب شخصية على حساب قضايا المجتمع؟! أليس من العار أن نرفع راية الحرية، نحن الصحافيين، وهناك من يسيء استخدامها في غير أغراضها الحقيقية؟ إن هذا يتطلب من الجماعة الصحافية أن تجد آليات لمعاقبة هؤلاء لأنهم أول من يسيء إلى المهنة والحرية. فليس من الشجاعة أن يتم الدفاع عن الصحافي في العموم لكونه صحافياً ومحصناً ضد المحاسبة، فهذا عبث. فمهنة الصحافة مقدسة ولا تقل في المكانة عن مهنة القضاء، لذلك يجب أن تكون هناك الأدلة والوقائع والثبوت قبل أن يُنشر الكلام بـحجــة الحرية التي يُساء استخدامها في نشر الأكاذيب. * كاتب مصري
مشاركة :