واسيني الأعرج: «زايد للكتاب» أصبحت مرجعية للإبداع

  • 5/9/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

واسيني الأعرج روائي جزائري من مواليد عام 1954 حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة دمشق، تولى منصب أكاديمي في جامعة الجزائر حيث كان يدرس حتى عام 1994 ثم انتقل إلى تونس واستقر في فرنسا، وانضم إلى جامعة باريس الثالثة السوربون الجديدة حيث يدرس الأدب العربي، كتب العديد من الروايات التي تتناول تاريخ الجزائر واضطراباتها القاسية ومآسي الأمة العربية، نشر أكثر من عشرة كتب، وحصل على عدد من الجوائز منها: جائزة الشيخ زايد للكتاب في عام 2007 وجائزة كتارا للرواية العربية في عام 2015، وصلت روايتاه البيت الأندلسي و رماد الشرق إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية بين عامي 2011 و 2014 على التوالي. } كيف تنظر إلى مستقبل الوطن العربي من خلال حدس الروائي ورؤيته الثاقبة؟ - الروائي، هو الشخص الذي يملك حساسية متميزة، لأنه هو من سيصوغ كل الأحداث والوقائع التي عاشها ورآها ولامسها وقرأها أيضا، يصوغها صياغة أدبية، وجهد الروائي الأساسي، لا يختلف من حيث الرؤى، لأن جميع الناس لديهم رؤية للمجتمع، إنما يختلف في اللحظة التي ينزوي فيها، ويبدأ بصياغة نص أدبي، قد يكون نصاً بسيطاً مرتبطاً بالهواجس الإنسانية مثل قصة حب، قصة كراهية، وغيرها من القيم الإنسانية المشتركة بين جميع البشر، وأحيانا تكون هذه القيم أكثر تعقيداً، مثلما يقع للعرب في التمزقات الأخيرة، ونجد من له رؤية متفائلة ويرى هذا الانهيار على أساس أنه مسألة طبيعية، وأنه سينشأ بعد ذلك عالم آخر، ويوجد أيضا من هو متخوف، يرى أن هذا العالم المنهار والمتواتر سيعقبه خراب، ولو أخذنا أوروبا مثلا، نعم أوروبا تغيرت وتطورت، ولكن البنية المجتمعية فيها بقيت، فالصراع الذي وقع فيها سابقا، كان صراعا فيه مصالح، فيه رؤى، ورغبة في تطور مجتمع، لكن مشكلتنا الآن صارت مشكلة وجودية، توجد معطيات حضارية سابقة علينا، مثلا الهنود الحمر، ماذا بقي منهم، وكانوا أصحاب حضارة، أقصد لم يكونوا أناسا عاديين، كان لهم حضارة كبيرة بكل تفاصيلها، غيرت الأمم وأعطتها ثقافة، وماذا بقي لهم، نحن كعرب غيرنا العالم ومنحناه قيما، وبعد ذلك انسحبنا، وعندما نقرأ عن حضارات المايا والأزتيك اللتين هما من أعظم حضارات العالم في السابق، ومع ذلك محوا تماما ولم يبق منهما شيئا، وحتى أمريكا اللاتينية هي إسبانية من الناحية اللغوية. لا أقول إن هذا سيحدث الآن، ولكن يمكنني أن أتوقعه بناء على معطيات حصلت، وهذا ما قلته في رواية العربي الأخير، وقلته بهذا المنطق، لأن في ذهني رؤى لأمم اندثرت، لأنها أصبحت مثار تساؤل ليس في السياسة، ولا في الأفكار ولكن في وجودها كأمة؟ ونحن اليوم لدينا علامات أولية لهذا الإندثار للأسف، إذا لم يتم استدراك الحال. } حاز كتابك الأمير مسالك باب الحديد جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2007، واعتبره النقاد درسا في حوار الحضارات، خاصة أنت تتحدث عن المناضل الجزائري الأمير عبد القادر، ما تعليقك على ذلك؟ -اعتبر الكتاب كذلك، لأن هذا الرجل محارب في تكوينه، ويريد أن يحرر أرضه، من استعمار الجزائر الذي عرف بأنه استعمار حضاري وثقافي وتاريخي، جاء من وراء البحر، ونحن أمام شخصية دينية، رجل مسلم ومتدين، والتزامه بالدين تحول إلى وسيلة تحرر، يريد أن يحرر بلده، والمسألة المهمة، أنه داخل في سياق حرب وصراع، ولكن يملك القابلية للإصغاء والاستماع للآخر، ويقول لخصمه: أنت لديك قوة ونحن لا قوة لدينا، ولكن ندفعك للهزيمة بطريقة أخرى، وهنا الاستعمار يريد أن يحقق مصالحه من دون أن يخسر جنوده، هذه الحافة التي يدركها القليل من الناس، بحيث إن المصلحة تهم الطرفين للتحاور، فعلا، لقد خاض الأمير عبد القادر حوارات حول الدين المسيحي، وحول الاستعمار، والصداقة والأخوة ومسألة العدالة، والدفاع عن الضعيف.. إلخ، حتى أصبح علامة من علامات القرن التاسع عشر، وهذا يعطينا درسا، وطالما قال: نعم، أنا أحارب عدوي، ولكن ليس كل الفرنسيين أعدائي الرجل الثاني كان رجلاً مسيحياً، وهو موساي مسؤول الكنائس، أكبر قس في الجزائر، وحاوره لدرجة أنه عندما سجن الأمير بعد هزيمته، ذهب وزاره في السجن بفرنسا، وكتب رسالة من أجمل الرسائل، اسمها (عبد القادر في قصر امبواز) وهو القصر الذي كان يسجن فيه الأمير، وعندما زاره قال له: يا أمير، كيف تقول إنك مسجون، أنت في قصر، كيف تقول إنك مظلوم؟ فقال له الأمير لو تستطيع فقط أن تفتح لي النوافذ لأشعر أنني في قصر، فقد كانت النوافذ جميعها مغلقة، ومضروبة بالمسامير، فالقس وعى كلام الأمير، وبعث برسالة إلى نابليون الثالث إمبراطور فرنسا، والرسالة موجودة حتى يومنا هذا، يقول فيها: أنتم ترفضون إطلاق سراح عبد القادر الجزائري، وأنا أنصحكم بإطلاق سراحه، لأنكم أمام قيمة سياسية وثقافية وحضارية وعلمية وإنسانية، فلا ترتكبوا هذا الخطأ، وعندما قرأها نابليون الثالث، حمل نفسه من باريس وجاء في القطار إلى المدينة البعيدة التي يسجن فيها الأمير، وقال له: أنا جئت بنفسي لأطلق سراحك، وهنا تكمن قوة الحوار بإقناع الناس، صحيح تريد أن تقاوم بالسلاح ولكن لا تغلق الأبواب، هؤلاء هم الناس العظماء، وبعد ذلك تحول هذا القس المسيحي الذي كان مصراً على الإضرار بالجزائر، فخدم المجتمع الجزائري، وهذا كله بتأثير الحوار بينه وبين الأمير، وعندما ذهب الأمير عبد القادر إلى بلاد المشرق واندلعت الحرب الأهلية عام 1860 في دمشق وبيروت ضد المسيحيين، تدخل وقال لهم إذا أردتم أن تقتلوا المسيحيين، فمرّوا على جثتي، قالوا له أنت مسلم، قال نعم، ولكن تعلمت من الرسول الأعظم أن لا أظلم الناس، فلمَ تظلمون هؤلاء، ارجعوا إلى أنفسكم، وستجدون أنكم ظالمون، وخبّأ الأمير في الحي المغربي عنده 15 ألف مسيحي بمن فيهم السفراء ورجال الكنائس، عقب ذلك منح الجوائز من البعثات الأوروبية، لذلك يعتبر الكتاب درساً في حوار الحضارات، وهذا يعطينا صورة عن الإسلام، عندما يقول لي شخص: إن الإسلام فيه ظلم وقتل، أقول له، تعال لأعطيك هذا التاريخ. }إذا سألك قارئ أن ترشح له إحدى رواياتك، ليتعرف إلى أجمل إبداعاتك، ما العمل الروائي الذي تفتخر به أكثر من غيره؟ -هذا سؤال صعب، ولكن روايتي التي تحمل عنوان شرفات بحر الشمال هو نص مرتبط بي، لأني في فترة من الفترات لما غادرت الجزائر كتبته، وأحبه الناس كثيرا، وهو كتاب حنين، صادر من أعماق ذاتي، ولكن أيضا لدي أيضا كتاب العربي الأخير، صحيح أنه كتاب درامي، لأن واقعنا درامي كذلك، ولكني رغبت أن أنبه القارئ إلى أننا نعيش داخل عالم يتحرك بعنف، وعلينا أن نكون مستعدين لكي لا نسقط بهذا العنف أيضاً. }كم مرة زرت دولة الإمارات العربية المتحدة؟ - زرتها مرات كثيرة، وفي كل زيارة أجدها أصبحت أجمل وأكثر تطوراً، وقد كنت في اللجنة الاستشارية العليا لجائزة الشيخ زايد للكتاب، وقد أكرمتني الإمارات، ومنذ أن دخلت الجائزة، كان لدي شعار، وهو كيف نكون أوفياء لهذا الرجل الذي تحمل الجائزة اسمه،المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان،طيب الله ثراه، وها هي دولة متقدمة حضارياً وفكرياً، الناس يعيشون فيها براحة ورخاء، لقد فكرت كيف ندعم هذه الجائزة بقوة، وفعلا جائزة الآداب منحت للكاتب إبراهيم الكوني، وهو كاتب عظيم، ثم لجمال الغيطاني وهو كذلك أديب كبير، والجائزة صارت فيما بعد مرجعية. }كيف ترى الحراك الثقافي في تظاهرة معرض أبوظبي الدولي للكتاب ؟ -المعرض ناجح بكل المقاييس، محاضراته قيمة وثرية، زواره نخبة ولهم قيمة ثقافية يتركون ملمساً عندما يمرون، لا ننسى أننا في لحظة ما استمعنا إلى فلان أو غيره، وكأن هذا الضيف يسافر معي بفكره ويبقى داخلي، ومثل هذا الحراك الثقافي الموجود وهذه النتاجات الثقافية الأدبية، والمجلات والصحف، واللقاءات مهمة وعلى الأمد المتوسط، سيعطي ذلك كله دفعة قوية في المشروع الثقافي للإمارات. }ما مشروعك الأدبي القادم؟ -مشروعي القادم قاسي بعض الشي، أشتغل على علاقة الرجل بالمرأة، لأن ما نراه من الخارج يختلف عن الموجود في الداخل، كثيرا ما نرى زوجين نظنهما في غاية السعادة، ولكن في الحقيقة يكون في داخلهما خراب كبير، طرحت المسألة من خلال علاقة رجل بأربع زوجات، وخادمة، كيف يا ترى يستطيع رجل أن يولف بين أربع نساء، من الناحية الإنسانية، أنا لا أستوعب ذلك، لقد وضعت النساء الأربع على الحافة، ولا أعتقد أن الروائيين العرب تناولوا هذا الموضوع من قبل فهو شيء قاس جداً، قبل موته وفي لحظة وعي، يوصي صديقه أن يحضر نساءه الأربع ليتسامح معهن، فالرواية جميعها عبارة عن حلقات مرور، تمر الزوجة الأولى تحكي، وكل واحدة تحكي معه الشيء الذي لم يسمعه في حياته.. الدمار والخراب، أشياء تسبب فيها معهن، يصفين حساباتهن معه في تلك اللحظات، وآخر واحدة تكون صبية صغيرة في العمر يذهب ليخطبها لابنه، فيعجب بها ويخطبها لنفسه ويتزوجها، وهو غني وأبوها يعمل عنده، وكانت الصبية على أبواب المرحلة الجامعية وتريد أن تلتحق بكلية الطب، ولكنه تزوجها وكانت تحب ابنه. } متى تتوقع صدور هذه العمل الروائي وماذا أسميته؟ - أتوقع أن تصدر في شهر ديسمبر المقبل في معرض بيروت الدولي للكتاب، وأسميتها نساء البطريرك.

مشاركة :