آثار الحروب على الاقتصادات العالمية - مها محمد الشريف

  • 10/24/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

للحروب أثمان باهظة لا تقف فقط عند طحن الجيوش بعضها البعض وحصد الأرواح، بل من أكبر مآسيها قتل المدنيين من أطفال ونساء وكبار السن، بالإضافة للتهجير القسري لتصبح حياتهم بمهب الريح ويتعرضون للأمراض والمجاعة، إلا أنه بعد نهاية الحرب تبدأ عمليات الكشف عن حجم الخسائر الاقتصادية التي خلفتها، وتحتاج الدول لسنوات حتى تستعيد توازنها الاقتصادي والاجتماعي، وما يحدث بلبنان وقبله بقطاع غزة خير شاهد على ذلك، وسبقتهم الحالة التي وصلت لها سوريا وليبيا وغيرها من الدول بمختلف القارات. وإذا عدنا لعقود خلت فإن الحرب العالمية الثانية تسببت في مقتل نحو 50 مليون مدني وعسكري، وكان من نتائجها بداية العصر النووي، وظهور الحرب الباردة، وزيادة الضغط لإنهاء الاستعمار في دول العالم الثالث، كما أنهت الحرب عزلة أميركا النسبية عن باقي العالم، وأسفرت عن إنشاء الأمم المتحدة. وكيفما كان الحال؛ فالأولوية لا تعود للماضي إنما للحاضر الذي نعيشه وما يحدث في الشرق الأوسط والعالم، وهي تعبّر عن الجذرية الملائمة للتاريخ الروسي ولم تتقبله برجوازية أوروبا؛ فما الذي يمكن أن يقدمه حلف الناتو لهذه الحرب الضروس بعد العقوبات، سوى أن يعاد تشكيل الحكم والصراع الناتج من تنافر المصالح الاقتصادية؛ لأن القوة المحركة لكل الثورات السياسية، إذا ما تحقق النجاح للمفاوضات القائمة بين الدولتين والوساطات الدولية، فالسياسة والاقتصاد هما نمطان ضروريان لاستمرار استقرار الحياة. ومن الأهمية بمكان؛ لكي نفهم هذا الموقف، علينا أن ندرك أن هذه الحرب لا يمكن أن تشتق أبداً من وقائع سوى معالجة تاريخية للمكان والزمان، فالكثير منا يفكر في الأثر الذي أحدثته تلك الحروب في النظام العالمي وعقد الرعب الذي ساد بعدها، وما تبعها من حروب متفرقة تعد بمثابة مصير بائس خلف الفقر والجوع والفوضى وأهوال تاريخية لا تُنسى في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وما نجم عنها من تداعيات إنسانية وكارثية على الأمن والاستقرار الدوليين، وما تفجره من صراع أوسع حول العالم لا يقل ضراوة عن الحروب السابقة. هنالك الكثير من الأشياء الأخرى التي يتوجب الكشف عن خطرها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بعد العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بما يكفي لتسبب انهيار اقتصادها، وما ترتب عليه من حظر تصدير القمح الذي أحدث أزمة عالمية في إمدادات الغذاء في دول أفريقيا والشرق الأوسط؛ حيث ستصبح أكبر المتضررين، إذ يدخل القمح في صناعة الخبز والمعكرونة وأعلاف الحيوانات في تلك الدول، بل وسائر بلدان العالم، حين يصوغ في قالب الضرورة ذلك النقص المؤدي إلى تهديد الأمن الغذائي في عدد من البلدان. وبهذا القرار أصبحت 11 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أبرزها المغرب، ومصر، ولبنان، واليمن، والعراق، وتونس، والأردن، فضلاً عن ماليزيا، وإندونيسيا، وبنغلاديش، مهددة بارتفاع أسعار الخبز. في تلك الأثناء حظرت أوكرانيا تصدير الماشية واللحوم وغيرها من المنتجات الثانوية من الماشية، بحسب بيان الحكومة، ومن المرجح أن يؤدي حظر الصادرات إلى خفض الإمدادات الغذائية العالمية، حيث وصلت الأسعار إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2011، علماً بأن روسيا وأوكرانيا توفران معاً ما يقرب من ثلث صادرات العالم من القمح والشعير، التي ارتفعت أسعارها منذ الحرب؛ فالأحداث لها تداعيات مدوية على الإطلاق. الحرب الروسية - الأوكرانية التي تقترب من إكمال عامها الثالث دون حل يلوح بالأفق قد تسفر عن اتساع مساحتها وخروجها عن السيطرة، وإذا كان العالم استوعب آثارها السابقة فإن التصدعات التي ستسفر عن استمراريتها ودخول دول اوروبية بهذه الحرب بشكل مباشر بجيوشها سيعني حرباً عالمية ثالثة ستكون مدمرة للاقتصاد العالمي، وضررها سيشمل جغرافيا العالم والمتضرر الأكبر الدول الفقيرة. فهل نحن أمام ملامح أزمة كبرى لم نرَ منها إلا بدايتها؟، أم سيظهر العقلاء بلحظة ما لنزع فتيل حرب مدمرة بدأت أصداؤها تنتقل لمناطق أخرى بالعالم، وقد تكون حرب إسرائيل على غزة ولبنان ماهي إلا من تبعات استغلال حالة التخوف والترقب من توسع حرب روسيا أوكرانيا في القارة الأوروبية.

مشاركة :