بين يَدَيْ هذه الزاوية.. - عبدالله بن عبدالرحمن الزيد

  • 1/17/2014
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

لِأَكُنْ تلقائياً، وبدون تحفُّظات، ومن غير عُقَدٍ سابقةٍ أو متوقعة ولأقُلْ: إِنَّ الكتابة في جريدة (الرياض).. حلمٌ ذاتيّ ووطنيّ؛ لأسباب عديدة يأتي في مُقَدَّمتِها: عراقةُ هذه الجريدة، ومواكبتُها للتحوُّلات الثقافية والأدبية منذ فجر الكتابة والأعمال الصحافية الأولى في هذه المنطقة وإلى اليوم.. الأمرُ الذي يدعو – بلا شك – إلى الاعتزاز والشعور الجميل بالغبطة.. وعندما أبدأ الكتابة في هذه الزاوية لهذه الجريدة، فإنما أعلن بشكل عفوي عن اعتزازي، ومدى اغتباطي الذي لا يحدّه حدّ.. والكتابة في زاوية أسبوعية في جريدة مثل (الرياض) لا يعني – فقط – الوجود الصحافي والثقافي، ولا يكتفي بالإيجابيات التي تَنْثَالُ من أول إطلالة القلم وبَدْء التناول.. وإنما تعنى – أوّل ما تعني – أَنَّ هماً ثقافياً، وأدبياً واجتماعياً قد حَلَّ بساحة الكاتب، وتعني – أكبر ما تعني – أَنَّ مسؤوليةً معرفية استثنائية قد نزلت؛ بمحيط تجاربه وتناوله.. وهذه هي الإشكالية الإنسانية والثقافية التي يفكّر بها وفيها ومن خلالها كلُّ من مُنِحَ إمكانية الحوار والأخذ والعطاء مع المتلقي.. إذاً.. المسألة ليست إثبات وجود ولا تأكيد حضور من أيّ نوع، وإنما هي تكليف مُقْلِق في غاية الصعوبة، وفي غاية الأهمية، وفي قمة المراقبة الصارمة للضمير وتحوُّلات الذّات.. والنّظرةُ الشّاملة، أو البانورامية لنواحي تلك الإشكالية وتداعياتها تُحيلُ الكاتب إلى منابعه الصافية، وإلى منابت فكره ووُجدانه، وتجعله تبعاً لذلك يضع يده على قلبه مرّاتٍ عديدة؛ لأن المُرَاهنة على التوفيق والتفوق، ثم على النجاح أمرٌ لا يحتاج إلى مفاصلات ومن أيّ شكل لإثبات أنه شأن مُرْعب ومخيف، يترتب عليه أن يحسب الكاتب ألف حساب قبل أَنْ يخط سطراً واحداً في أي موضوع أو قضية أو إشكالية مطروحة.. وأود أَنْ أُشير في هذا الصّدد إلى أَنّ أكثر الحالات منطقيةً وحياداً لدى الإنسان بعامة والفنان بخاصة هي تلك التي تَفْترقُ فيها ذاته عن ذاته ويصبح هُو فيها مقابل نفسه ليرى ما لا يراه المستغرق أو المتورّط في أحابيل فكره ووجدانه وعوالمه الداخلية، تماماً كما أَنَّ أكثر حالات الكاتب ثَرَاءً وعطاءً وأريحية هي تلك التي تنبعث من مُنْتَصَفِ تَجَلّيه، ومن قلب اكتشافه لإضافاته في رأيه وموقفه واعتقاده، وهذا يعني تلقائياً أنها ليست تلك اللحظات الأولى التي عادة ما تأتي مبهورة ومُشَتَّتة بشجون الوهلة الحاضرة وشؤون المقدّمات اللاهثة، ولا هي تلك اللحظات الميتة التي تأتي لاحقاً وقد انتهى كلّ شيء، وإنما هي تلك التي تكون في ذُروة التناول، وفي عين الأخذ والعطاء، وتُمَثِّلُ الكاتب في تجاربه وقضاياه وإشكالياته عبر ذاته المفارقة لذاته، المُنْفعلة بتجليه وتفوُّقه، والتجلّي لا يعني (فقط) تلك الحالات الشعرية الخالصة، وإنما يعني تحديداً حضور البصيرة، وسقوط كافة الأقنعة عن الموضوعِ والمسألةِ من جانب، وعن ذات الكاتب من جانب آخر. وتلك – في اعتقادي الجازم – هي حالة الكتابة الحقيقية الصادقة المنتمية، ولا أتصور أَنّ الكاتب والمتلقي يَنْأَيَانِ عنها بأيّ صفةٍ وهما يَتَقاسَمَان تلك الجدليّة الحميمة فيما بينهما.. على أَنَّ الجدلية الأَسْمى من كلّ ذلك.. تتمثّل في أَنْ يَبْقى كلٌّ من الكاتب والمتلقّي على صلة متوالية ومتحوّلة مع الساحة بكل جوانبها وفواصلها لا تغيب عنه ولا يغيب عنها في شكل من أشكال اليَقَظة والحيوية والمتابعة والمسؤولية..؛ ذلك لأنه منذُ زَمَنٍ مُسِحَتْ الاتكاليةُ، ومُسِحَ الإعراض والتجاهل، والقفز فوق الزمان والمكان، ومُسِحَ التثاؤب بكلّ صِيَغِهِ من قاموس الوجود الإنساني المعاصر، ومن مذكرات الحياة الحاضرة المُتجدّدة التي من أدنى صفاتها عدم التكلّس والنضوب والتوقف في مرحلةٍ ما من التاريخ اللاهث أبداً خلف المفارقات والتحولات والإضافات والتجليات.

مشاركة :