لا يأسف أحد على زوال حكم الأسد في سوريا الذي اتسم بالشمولية والدكتاتورية والقمع وغياب الحريات. ولكن في ذات الوقت هل القوى والفصائل المسلحة التي سيطرت على مقاليد الحكم تشكل البديل المرجو على مستوى العمل على تحقيق دولة المواطنة المتساوية والمتكافئة، في تجاوز لحالة التعددية الطائفية، وكذلك على مستوى الانتماء الوطني في تجاوز للأجندات الخارجية؟ صحيح أن القائمين على الفصائل المسلحة استطاعوا أن يعطوا فى يوم سقوط النظام نموذجًا جيدًا عند استلامهم مقاليد السلطة، من خلال التأكيد على رفض أعمال الانتقام وإعطاء الطمأنينة والأمن للجميع، مع ذكر أهمية أن يأخذ القانون مجراه بما يتعلق بالأشخاص الذين ارتكبوا جرائم بحق الشعب، بما يفتح المجال لاحتمالية اتخاذ إجراءات من الانتقام إن لم تستند الإجراءات على منهجية العدالة الانتقالية المماسسة قانونيا. أعتقد أنه يجب تشجيع أية آلية تقود إلى تشكيل جمعية وطنية تعتمد دستورًا مدنيًّا مبنيًّا على فكرة المواطنة المتساوية واحترام التعددية السياسية والحريات العامة، وعلي مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات، والانتخابات الدورية. إن تحقيق ذلك عمليا يشكل مؤشرًا مهمًّا على مستقبل سوريا إذا كان سيصب بالبعد الديمقراطي، أو إذا كان سيبنى على أسس المحاصصة بين الفصائل المسلحة التي هي مدعومة من دول متعددة. ومن المهم في سياق التركيز على التفاعلات الداخلية بالمشهد السوري ذي العلاقة بالمواطنة، إعطاء ذات الاهتمام للبعد الوطني. لاحظ الجميع أن إسرائيل، وهي دولة الاحتلال والإبادة الجماعية، استغلت الانشغال بالمشهد السوري الداخلي، وقامت بتدمير معدات الجيش السوري واحتلال القنيطرة وقمة جبل الشيخ وإعلان نتنياهو أن الجولان ستبقى إسرائيلية للأبد، حيث توغلت الدبابات الإسرائيلية إلى داخل العمق السوري، وأصبح بينها وبين دمشق مسافة 25 كيلومترا فقط، كما أعلن نتنياهو أن إسرائيل هي الدولة المركزية بالشرق الأوسط. وبالمقابل فقد صدرت تصريحات من مسؤولين أتراك، تشير إلى توجه تركيا لاحتلال أجزاء من الأراضي السورية، إلى جانب الأراضي بالشمال التي هي ما زالت محتلة. وأكد مسؤولون أميركيون أن التواجد العسكري الأميركي في سوريا مهم، وهو ليس بهدف المساومة، بمعنى أنه سيبقى بصورة دائمة. يشير المشهد السياسي الوطني، وليس المدني، إلى أن النفوذ القادم في سوريا سيكون لكل من إسرائيل وأميركا وتركيا، الأمر الذي يثير قلقا لدى كل الوطنيين حول مغزى سقوط النظام وخسارة سوريا. ربما من المبكر الطلب من القيادة الجديدة الإعلان عن مواجهة عسكرية ضد الهجمات الإسرائيلية التي دمرت المعدات والمرافق التابعة للجيش السوري، نتيجة الانشغال بالملف الداخلي والعمل على ترتيبه، ولكن المطلوب بالحد الأدني التأكيد على رفض الاعتداء والهجمات واحتلال أراض في سوريا من جانب كل الدول بما في ذلك إسرائيل. لقد تعلمنا في السياسة أن فلسطين هي البوصلة . وعليه فإن لم تصدر تصريحات منددة بالعدوان والاحتلال من القادة الجدد فإن أسألة كثيرة ستثار أمام هذه القيادة، وذلك بما يتعلق بمستقبل سوريا، وكذلك بدورهم السياسي القادم على المستوى الإقليمي، وكذلك على مستوى القضية الفلسطينية. إننا بحاجة للربط بين مبدأ المواطنة، وما زال هذا البعد قيد الاختبار ولن تتضح معالمه إلا بعد التأكيد عبر جمعية وطنية عن تبني دستور مدني ديمقراطي تعددي، يُطرح للاستفتاء العام بهدف اعتماده، وبين مبدأ الوطنية التي تتطلب الانتماء الوطني والتمسك بوحدة الأراضي السورية، ورفض أي اعتداءات أو عمليات احتلالية، تؤدي إلى اقتطاع أجزاء من أراضي الدولة السورية، لصالح هذه الدولة أو تلك. ــــــــــــــــــ شاهد | البث المباشر لقناة الغد
مشاركة :