نظرة لمستقبل سوق العمل.. التكنولوجيا تُحذر!

  • 5/19/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تقرع التطورات التقنية المتلاحقة في عالم اليوم أجراس التحذير مما ستكون عليه الأوضاع خلال 10 إلى 15 سنة قادمة في سوق العمل ليس على المستوى الوطني المحلي فحسب بل في الأسواق الخليجية والعربية.. إن نظرة متفحصة قائمة على (التخيل) المستند إلى الحقائق، تدفع للتساؤل: هل نحن مستعدون؟. لقد كان لدخول وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني تأثيرًا كبيرًا ومذهلًا على الوطن العربي منذ العام 2011 ولربما قبله بعام أو عامين، حتى أن وهج انتشار الإعلام الإلكتروني فاجأ المؤسسات الأمنية، وأحدث تغيرات دراماتيكية كبرى، لا سيما في الوطن العربي، بسبب القفزة النوعية في إتقان واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حتى بلغ الأمر إلى تغيير أنظمة بشكل غير مسبوق. القدرة على التواصل مع الجماهير والتأثير عليهم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي هو الشكل المختلف بالطبع، ولا تزال بلدان عربية كمصر، سوريا، ليبيا، العراق وربما دول أخرى تعاني من تلك الانعكاسات وتفاقمها بعد مرور 5 سنوات، ما يعني أن تلك الأدوات الحديثة والذكية، هي الحاضر بكل تطوراته المذهلة، وهي المستقبل بابتكارات ستجعل ما هو مذهل اليوم، مجرد (أسلوب) قديم من الماضي. لقد ألقت الثورة التكنولوجية الحديثة التي غزت العالم بظلالها عليه وحولته إلى كوكب صغير تحت مسمى العولمة، حيث أصبح الكون قرية صغيرة، ينتقل خلالها الخبر من الشرق إلى الغرب في بضع ثوان، ومع تطور هذه التقنيات - وبالأخص ما يتعلق منها بتكنولوجيا الاتصال - بات من الصعب السيطرة على المعلومة أو الحد من انتشارها، وأحداث الربيع العربي 2011 لم يتوقعها المراقبون والمختصون، لكنهم وقفوا أمام تحول كبير تمكن من تغيير أنظمة بقيت ثابتة لسنين طويلة. إذن، هل يتسنى لنا كمسئولين عن قطاع العمل قراءة القادم من القفزات بفعل مجتمع المعرفة وتكنولوجيا الاتصالات والإعلام الرقمي؟ في الواقع، يمكن التنبؤ بقفزات نوعية سوف تؤثر في قطاع العمل بشكل عام.. سواء كان ذلك في البحرين أو المنطقة العربية أم في دول العالم. ولقد استشف العاملون في مجال أبحاث سوق العمل، أن السنوات القادمة ستشكل أصعب المراحل إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار خطوات عملية من الآن تضمن من خلالها الحفاط على العنصر البشري في مواقع العمل المختلفة، فالتقديرات الأولية تشير إلى أن التطور التكنولوجي الذي حصل في جميع المجالات، ومنها الطبي، والصناعي، والتجاري، سيترك أثرًا سلبيًا، حيث سيتم الاستغناء عن عدد كبير من العاملين في هذه القطاعات بحجة أن التقنية الحديثة حلت محل الأيدي العاملة، ولن نستغرب إن وجدنا اسواقا بدون باعة، أو مصرفا بدون موظفين يديرون العمل، أو جهازا إلكتروني يجري عملية طبية لمريض. إن العالم الآن يشهد أنجح وأصعب مراحله بفضل تلك التقنيات الحديثة، فقد أصبحت الحياة أسهل مما كانت عليه من باب سرعة الانجاز والاتقان في الأعمال، إلا أن الخطر جراء فقدان العاملين لوظائفهم هو التحدي الكبير الذي يستوجب تضافر جميع الجهات من أجل الوصول لحلول عملية ومخطط لها تضمن الأمن للجميع، وفي هذا السياق، يمكن مناقشة الكثير من الحلول المقترحة لهذه الظاهرة نطرحها عبر سلسلة من المقالات خلال الأيام المقبلة. لا بد إذاً من قراءة التوقعات، فالناس اليوم يستخدمون الأجهزة اليدوية الذكية لإنجاز أعمال كثيرة، وأصبحت برامج تلك الأجهزة تسند صاحب العمل وتغنيه عن عدد من العمال، فمن خلالها يستقبل المراسلات ويحولها إلى الجهة المطلوبة، ويحتفظ بالوثائق والجداول والصور ويجري الحسابات، علاوةً على الكثير من المهام الممكن تنفيذها بسهولة من خلال تلك الوسائط والتي كانت في السابق تقدم على أيدي موظفين حقيقيين. أمامنا مسألة أوسع، فقد نشهد قريبًا إلغاء الكثير من الوظائف التي يتطلع لها أبناء البلد ويطمحون لدراستها والتخصص فيها ما لم يكونوا مستعدين للتغير القادم ومدركين لأبعاده وتحولاته، فلن يكون هناك - على سبيل المثال- فروع للمصارف، ولن يكون هناك مكاتب أمامية أو شركات تأمين، وستندثر الكثير من الوظائف في قطاعات الخدمات المساندة للطيران والقطاع الصحي والتعليمي، كما سيتم استبدال الكثير من الوظائف التعليمية ببرامج إلكترونية تعليمية حديثة تتناول الدروس بشكل واضح ويمكن إعادتها لأكثر من مرة باستخدام المؤثرات السمعية والبصرية لفهم المواد العلمية التي يقوم بدراستها الطالب، ما سيعوض الحضور في حصص المواد العلمية ويقلص عدد المعلمين والمعلمات، وستلغى الكثير من الوظائف الفنية.. إن أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الذكية سوف تصلح نفسها بنفسها، وستتمكن من تحديد الخلل الذي أصابها بعد أن كانت تستعين بالفنيين للتصليح. سيتم تقليص أعداد الموظفين في مجالات المراقبة والشرطة والتدقيق المروري والعديد من الوظائف التي يمكن الاستغناء عنها بكاميرات المراقبة ذات نسب خطأ أقل من أن تذكر، لدرجة تصل إلى معدلات صفرية، كما أننا سوف نشهد تقليصًا للصحف المطبوعة، ومرحلة احتضار لمهنة عرفها التاريخ ومنها الصحافة والكتابة والتأليف بالمفهوم الإلكتروني، فالكثير من المهن التي نتوقع أنها ستنتهي في الخمس سنوات القادمة أو بين عشرة إلى 15 عاما. المنظر واضح: سيتعاظم اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومنتجات التكنولوجيا، وسيتطور التعامل مع الأجهزة والبرامج الحديثة ولن يستطيع المعلم - مثلًا - مواصلة المهنة إلا إذا كان قادرًا على التعامل مع البرمجيات الحديثة، كما أن الطبيب لن يقوم بالعمليات الجراحية لوحده دون الاستعانة بالتكنولوجيا. كل ذلك يتطلب الاستعداد المبكر والبدء في التغيير الحقيقي في مؤسسات التعليم وفي شركات الإنتاج ايضاً، بحيث نكون قادرين على التنافس مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، لأن كلفة الإنتاج سوف يتم مقارنتها في كل دول العالم، ولن تكون الحدود الجغرافية ولا الضرائب ولا فرض القيود على التوظيف عوامل تُنقذ سوق العمل.. العالم كما أسلفنا يتجه إلى نظام الكتروني موحد كبير، وكما تحول في السابق إلى قرية إلكترونية (كونية) بدخول الانترنت حيث تجاوزت الجنسيات والأعراق والتحالفات، سيفرض اقتصاد المعرفة لغة حديثة عصرية قد تؤثر على من ليس لديه السعة والقدرة للتحول للأنظمة الحديثة. وعبر التاريخ، انتهت دول وكيانات وخلفتها دول أخرى بسبب عدم قدرة الأولى على التحول، واستعداد الثانية لدخول المستقبل، وذات الأمر وارد خلال الخمسة عشر عامًا المقبلة، حيث إن دولًا ستنهض وتنتعش وستضمحل دول أخرى وتنتهي أو تصبح دولاً هامشية. كل تلك الصورة، تجعلني أجد نفسي قارئًا بجدية للحقائق وليس للتخمينات والتوقعات، فتضافر الجهود من الآن مهم في كل القطاعات للعمل سويًا على فهم التحولات والاستعداد لها، ربما نتطرق في مقالات قادمة لعدة محاور من أجل أن نعمل بشكل فوري وسريع وبتخطيط دقيق ومتأن للتحول من اقتصاد غير قابل للنمو والتحول إلى الاقتصاد الرشيق والقادر على التأقلم مع المتغيرات، والعيش والنمو في ظل هذه المتغيرات السريعة التي تلقي بظلالها على واقعنا بشكل لا يمكن تجاوزه أو مراوغته.

مشاركة :