لا تشكِّل الأخلاق عادةً مادةً مناسبة للتناحر والتباغض بين كثير من الأيديولوجيين غير الخاضعين لقوانين صارمة تنظِّم العلاقة بينهم، لا تجد عادةً في مجتمعٍ كهذا مَن يكره شخصاً لأنه يكذب، أو لأنه لا يحترم النظام، ولكن تجد بالتأكيد مَن يكره الآخر لأنَّه يختلف معه في المذهب، أو الفكر. الكراهية والتباغض المذهبي والفكري، سيكونان أكثر فاعلية في بناء المجتمع المدني المتقدم لو كان المتباغضون يكرهون التخلف والرجعية عوضاً عن كرههم بعضهم بعضاً، ويكرهون معهما مخالفة النظام والجهل، وبخس الناس حقوقها، يكرهون المحسوبيات، وشتى أنواع الفساد، هذا النوع من الكراهية هو ما تفتقده كثير من مجتمعاتنا الباحثة مع الأسف عن الفرقة والتمزق. تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف، أمير المنطقة الشرقية، انطلقت حملةٌ في المنطقة الشرقية بعنوان «إحنا أهل»، وتهدف هذه الحملة إلى «تعزيز اللُّحمة الوطنية، ونبذ التطرف والفرقة، ومحاربة الأفكار الدخيلة على مجتمعنا»، وتستمر لمدة أربعة أسابيع، سيتم من خلالها توزيع ما يزيد على مائة ألف «بروشور» توعوي، وبالإضافة إلى ذلك سيتم عرض فيلم دعائي للحملة في عدد من القنوات الفضائية، وعبر الوسائط الإلكترونية، بناءً على ما صرَّح به المشرف العام على الحملة. هذه المبادرة تهدف فيما تهدف إليه إلى تعزيز الروح الوطنية، وإزالة تلك العوالق التي ترسَّبت في أذهان الناس بعد جملة من الأعمال الإرهابية التي تعرضت إليها المنطقة الشرقية من تفجير مساجدَ، واستهداف رجالِ أمنٍ، ولاشك في أنَّها مبادرة مهمة ورائدة، وحبذا «جداً» لو يتم استنساخها في جميع مدن المملكة، بحيث يعرف جميع المواطنين بشتى مذاهبهم وألوانهم وقبائلهم أنَّهم جميعاً «أهل»، يربطهم الدين والوطن دون أن يتميز أحد عن الآخر في شيء، وينبغي كذلك تكرارها كل عام بحيث يكون لدينا شهر يمكن أن نسمِّيه بـ «شهر الوحدة»، لأنَّ الطائفية، كما أعتقد، هي أكبر خطر يهدِّد العالم الإسلامي، وما لم تكن هناك حملة سنوية تتناسب مع مستوى هذا الخطر، فسيتفاقم بنا الحال إلى مستويات خطيرة ربما تصل إلى تهديد أصل وجودنا. في اعتقادي أنَّ الجهة الأكثر قدرة على دعم هذه الحملة المباركة هي منابر المساجد، والمنابر الدعوية، هذه الجهات تملك شعبية كبيرة، وثقة بين أوساط المجتمع، وهي متمرسة في الخطابة، وفي القدرة على التأثير والتغيير. اتفاق جميع هذه المنابر على حملة مركزة ضد الطائفية، وفي توضيح أنَّ الشيعة والسُّنة إخوان في الدين والوطن، وبشكل واضح وصريح بعيداً عن الجمل حمَّالة الأوجه، اتفاق جميع هذه المنابر على ذلك، سيحقق كما أعتقد نتائج طيبة، ستسهم تدريجياً في صناعة مزيد من الثقة التي لاشك في أنَّها تأثرت حينما استُهدف المصلون في المساجد، وظهرت بعض الأصوات «النَّشاز» في قنوات التواصل الاجتماعي مبررةً بطريقة أو بأخرى هذه الأعمال. الأخوَّة في الدين والوطن عنوان تُحاربه فئات تقتات على الفتن والفرقة، وتعشق أكثر ما تعشق نشر روح الكراهية بين المسلمين، هؤلاء هم بالتأكيد أعداء الوطن والإنسانية جميعاً، لو استطاعت المجتمعات استبدال هؤلاء بفئة تكره مخالفة النظام، وأي مستوى من مستويات الفساد والتخلف، لبلغنا بالتأكيد مستويات عالية من التقدم في كل شيء. نتمنى أن نرى ذلك قريباً في كل بلادنا العربية والإسلامية، وحفظ الله بلادنا من كل سوء.
مشاركة :