تطمح التشكيلية ملاك الأنصاري إلى أن تقدم نفسها على أنها علامة بارزة لمشروع تشكيلية ذات بصمة، توثق مسيرة الأسرة في الزمن الجميل، عبر المدرسة السريالية الممزوجة بالتأثيرية، وكأنها أتت نتيجة عصارة فكر وتجارب مهنية مليئة بالتحدي مع الذات والفكر، لتحاكي حقبة من الزمن، تسرد قصصها وأحداثها ومتغيراتها وتفاصيلها الدقيقة، من حيث الرؤية الفنية والخيال الإبداعي المحسوس، وثقافة النسيج الاجتماعي. تقتنع الأنصاري بما تقدمه من فن حديث، ليس لمجرد العبث والتمرد والهرب، ووسائل للتسلية، إنما هو نتيجة التداعيات والحراك النفسي الذي يقطن داخلها، وهو أشبه باضطراب بركاني نتج عنه روائح فنية فلسفية من الواقع. أجد في نفسي ميلاً جامحاً لتفاصيل لوحة ملاك في معرض «مبدعات»، لأنني شعرت بدفء حياتنا القديمة، وما فيها من نهم وجهد وعصف من الأمهات، لأنهم يشكلون المدرسة و«الترمومتر» لدورة الحياة، فعلى ضوء الفانوس في الليل الحالك تضع بصمتها على لحاف هو بحد ذاته لوحة تشكيلية مترابطة الخطوط، وذات سياق لتدرجات لونية دقيقة النسق والميزان المساحي للأشكال الجمالية. علاقتها بتفاصيل لوحتها داعي الذكريات، وأيام مضت في عهد الطفولة والصبا، تترنم على مواويل أمها، وهي تشكل لوحة الحياة الخالدة، تحمل حضارة وتاريخ أسرة في إطار من الجدران القديمة، وعناصر تشكل أدوات لتنفيذ العمل الإبداعي كالإبرة والخيط والقماش، هي سياق قصصي تفعيلي يحرك النبض والحس، و«الآه» تشير إلى خصائص فنية وأدبية وأسلوبية تنفرد بها تلك المرحلة من العصر، لعل المتلقي يجد محاكاة تعود به إلى أصالة الإنسانية التي صنعت مجتمعاً متحضراً. تفاصيل عملها الفني اتصف بسمات حلمية، وشخوصها العصامية، فيما يتمثل في الأم وحنيتها وشدتها ووقارها، كما ألمحت إلى ليالي تلك الحقبة السحرية التي تثيرنا بواقعيتها وعوالمها في زمن ذي خصوصية، وسير ذاتية لأسماء حقيقية، وألقاب تومي إلى أصحابها. تتجاوز ملاك الأنصاري بمخزونها الإبداعي الحوار الصوتي ولغته وصفته الأدبية وأسلوبه الغنائي، واستطاعت إيجاد المساحة الزمانية الواسعة لسرد أسلوبها القصصي بالفرشاة واللون.
مشاركة :