نظرية الفراغ وملء الفراغ

  • 5/25/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

التاريخ السياسي للمنطقة يعيد نفسة من خلال استرجاع مقولات قديمة ارتبطت بالاستعمار وشكله التقليدي وهو التدخل العسكري في المنطقة، ومن هذه المقولات التي تتردد من جديد، أن المنطقة العربية تعاني فراغاً في القوة، بسبب غياب الدور المحوري للدولة القائد أو الدولة المحورية، وبسبب انهيار عدد من الجيوش العربية القوية كجيوش العراق وسوريا وليبيا، وانشغال جيوش أخرى بمعارك داخلية ضد الإرهاب، ودولياً بالتوجه الأمريكي نحو منطقة شرق آسيا على حساب التواجد في المنطقة، وبروز دور قوى إقليمية تتطلع لملء الفراغ كما هو إيران وتركيا وإسرائيل وروسيا. والسؤال ما حقيقة هذا الفراغ في القوة ؟ وما الخيارات والآليات المتاحة عربياً لمواجهة هذه الاستراتيجيات؟ ترتبط هذه النظرية بنظرية القوة التي تقوم على فرضية أساسية، وهي أن دول القوة في النظام الإقليمي والدولي تحدّد مجالاتها الحيوية استناداً لموقعها على سلم القوة. والمجال الحيوي لهذه النظرية، يتركز في الأقاليم ذات الأهمية الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية لدول القوة، التي ترى أن أحد أهم عناصر استمرارية قوة هذه الدول يكمن في السيطرة على هذه الأقاليم. وآليات هذه النظرية تكمن في التدخل العسكري المباشر، وإقامة مناطق النفوذ وتقاسمها بين دول القوة الإقليمية والدولية دونما اعتبار لمصالح دول الإقليم. ومن أبرز الأقاليم التي ارتبطت بها هذه النظرية تاريخياً هي المنطقة العربية، باعتبارها من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم، ومن يسيطر عليها يسيطر على القرار الدولي. تاريخياً خضعت معظم دول المنطقة للاحتلال البريطاني والفرنسي. وبعد الحرب الكونية الثانية تراجع الدور الأوروبي ليفسح المجال أمام نظام جديد يقوم على ثنائية القوتين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ومع استقلال الدول العربية وجلاء القوات البريطانية والفرنسية ظهرت من جديد نظرية فراغ وملء القوة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وارتبطت السياسة الأمريكية بما يعرف بمبدأ أيزنهاور الذي يقوم على ملء فراغ القوة الذي نجم عن انسحاب بريطانيا وفرنسا. وكان التحول في الاستراتيجية الأمريكية من استراتيجية التدخل السريع إلى تبني استراتيجية التدخل والتواجد العسكري المباشر، وما زالت هذه الاستراتيجية قائمة حتى الوقت الحاضر، ومن ناحيته تبنى الاتحاد السوفييتي سابقاً استراتيجية التوجه نحو المياه الدافئة أي مياه الخليج العربي. وأما على المستوى الإقليمي فكانت سياسة إيران الشاهنشاهية تلعب دور الوكيل للسياسة الأمريكية، واحتلالها لجزر الإمارات الثلاث كان من أشكال نظرية فراغ وملء القوة، بالاحتلال والتواجد العسكري وهو الشكل الأساسي لهذه النظرية. ومن جانبها تبنت إسرائيل سياسة المجال الحيوي المفتوح والذي بموجبه اعتبرت كل المنطقة حتى الباكستان تقع في مجالها الحيوي، وتقوم على فرضية أساسية وهي الحيلولة دون بروز أية قوة عربية في المنطقة وضربها في مهدها، كما حدث بضرب المفاعل النووي العراقي، وضرب الجيشين المصري والسوري في حرب 1967. ولكن ما غاب عن منظري ومروجي هذه النظرية الإمبريالية في أهدافها وأدواتها، أن الدول العربية ورغم تراجع قوتها، لكنها لم تعد هي نفس الدول التي كانت قبل عقود، وهذا ما نراه من تنامٍ للدور السعودي ودور دول مجلس التعاون الأخرى مثل دولة الإمارات، وما زالت مصر تشكل قوة كبيرة بجيشها رغم انشغاله في سيناء. إن الرد العربي على نظرية الفراغ يكون بتفعيل القوة العربية المشتركة، وتقوية دور مصر كقوة عربية محورية، وتحقيق التوازن في العلاقات الدولية وعدم الاعتماد فقط على القوة الأمريكية. drnagish@gmail.com

مشاركة :