الصين وملء الفراغ في أميركا اللاتينية

  • 3/11/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

من حسن حظ الجيران الجنوبيين للولايات المتحدة أنهم عثروا خلال العقد الماضي على شريك تجاري جديد وكبير هو الصين. فبعد أن أصبحت العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة أقل استقراراً، ستعزز أميركا اللاتينية علاقاتها بالصين لكن بحذر. ففي عام 2016، تقلصت اقتصاديات أميركا اللاتينية لثاني عام على التوالي، ويتوقع أن تنمو بما يزيد قليلاً فحسب عن 1% خلال 2017، ما لم تحدث مفاجآت كبيرة. وإلى ذلك فإن القطاع الخاص الدولي يتراجع من المنطقة بمعدل مثير للإزعاج، حيث أصبح صافي تدفقات رأس المال إلى أميركا اللاتينية سالباً للمرة الأولى منذ عام 1998. وتطلعت المنطقة نمطياً، في فترات الاضطرابات، إلى الولايات المتحدة، في التجارة والتمويل، لمساعدتها في اجتياز هذه الفترات، سواء من خلال الحصول على التمويل من المؤسسات المدعومة أميركياً مثل البنك الدولي أو بنك انتر-أميركان للتنمية، أو من خلال مفاوضات التجارة والاستثمار. لكن، الآن، هذا غير وارد بعد انتخاب ترامب رئيساً. فمن السابق لأوانه أن نعرف سياسات ترامب نحو بنوك التنمية، لكننا نعرف أن الإقراض للمنطقة انخفض من المؤسسات التقليدية المدعومة من الولايات المتحدة. وبالطبع نعرف أن الرئيس ترامب لم يضيع وقتاً في الانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي، وأعلن عزمه إعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية. (نافتا). وسيرحب كثيرون في أميركا اللاتينية بفرصة إعادة التفاوض في اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي والنافتا، إذا جرى هذا على أساس المساواة وحسن النوايا. لكن، على سبيبل المثال، شعر مفاوضو شيلي في اتفاقية التجارة عبر الأطلسي بخيبة أمل بسبب بنود تجبر بلادهم على تخفيف لوائح أسواقها المالية وقوانين الملكية الفكرية، لتمنح الشركات الأميركية الكبيرة مجالاً مفتوحاً للقيام بالأعمال في بلاد ليس بها كثير من المنافسة أو التدخل الحكومي. وبالنسبة للنافتا فإن الاتفاق التجاري المبرم عام 1994 ساعد في زيادة الصادرات المكسيكية للولايات المتحدة سبعة أمثال، وقفزت الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى أربعة أمثال ما كانت عليه قبل النافتا. لكن رغم التجارة والاستثمار ظل نمو الإنتاج المحلي الإجمالي ثابتاً تقريباً عند 1% بالنسبة للفرد بعد النافتا. وخسرت البلاد مليوني وظيفة في مجال الزراعة بسبب إغراق الواردات الرخيصة من الذرة والبضائع الأخرى إلى المكسيك بسبب النافتا. ويمكن تفهم خشية دول المنطقة من التفاوض مع حكومة قللت من شأنهم ووصفت مواطنيهم بأنهم «أشرار»، بل وبصفات أشد من هذه. وهنا تدخل الصين التي نشرت بعد بضعة أيام من انتخاب ترامب خطة جديدة وصفت أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بأنها «أرض الحيوية والأمل». والخطة تعد بتطبيق التعهدات السابقة للتجارة والاستثمار، لكن دون القيود الأميركية مثل بنود تخفيف اللوائح ودون إطلاق أوصاف مشينة. وتعهدت الصين بتعزيز التجارة مع المنطقة بنحو 50 مليار دولار وتعزيز الاستثمار الأجنبي بنحو 250 مليار دولار بحلول عام 2025. وكي تظهر الصين جديتها، يقدم حالياً بنكان استثماريان صينيان وهما بنك الصين للتنمية وبنك الصين للاستيراد والتصدير تمويلاً تنموياً لأميركا اللاتينية أكثر من إجمالي ما يقدمه البنك الدولي وبنك إنتر أميركان للتنمية وبنك أميركا اللاتينية للتنمية كل عام. وبالإضافة إلى القروض الثنائية، خصصت الصين 35 مليار دولار في صورة برامج تمويل متعددة الأطراف لأميركا اللاتينية. والصندوق الاستثماري للتعاون الصناعي بين الصين وأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي الذي قيمته 20 مليار دولار وصندوق البنية التحتية للصين وأميركا اللاتينية الذي قيمته 10 مليارات دولار، هما اثنان من وكالات التمويل الجديدة التي أقيمت عام 2015. وقد ضخّت الصين خمسة مليارات دولار أخرى في صندوق التعاون بين الصين وأميركا اللاتينية الذي أقيم عام 2014. وفي الثاني من فبراير، أعلنت المكسيك أن شركة «جاك موتورز» الصينية لصناعة السيارات ستقيم مصنعاً بقيمة 212 مليون دور في هيدالجو قد يوفر 5500 فرصة عمل في المكسيك. وعلى خلاف نهايات القرن العشرين، أصبح الآن أمام أميركا اللاتينية بديل يتمثل في الصين. لكن رغم أن التجارة والاستثمار الصينيين في المنطقة ساعدا في تحفيز النمو الاقتصادي بين عامي 2003 و2013، لكن هذا أدى أيضاً إلى تقلص الصناعة في كثير من اقتصاديات المنطقة بسبب استيراد المنتجات الصينية الأرخص. وبالإضافة إلى هذا، أدى تعطش الصين لنفط أميركا اللاتينية ومعادنها إلى تفاقم تدهور البيئة وأشعل الصراعات الاجتماعية عبر المنطقة. ولدى أميركا اللاتينية مؤسسات إقليمية قوية مثل بنك أميركا اللاتينية للتنمية واللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي، يمكنها العمل مع مجموعة دول أميركا اللاتينية والكاريبي لضمان أن يحقق حضور الصين في المنطقة نمواً طويل الأمد ومستداماً بيئياً ويشمل كل الطبقات الاجتماعية. ولسوء الحظ، فما لم يحدث تصحيح لمسار السياسة الأميركية، سيكون على حكومات أميركا اللاتينية أن تصيغ علاقة أكثر إيجابية مع حكومة صينية مستعدة لملء الفراغ الذي قد تتركه الولايات المتحدة. *أستاذ التنمية العالمية في جامعة بوسطن الأميركية عن دورية «فورين بوليسي» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

مشاركة :