فرنسا.. و«ذكرى تجارة الرقيق»

  • 6/1/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تعج العاصمة الفرنسية بالآثار والنصب التذكارية، وشواهد على الانتصارات والمآسي التي شهدها تاريخ الأمة، وتعكس هذه المواقع متعددة الطبقات تقدير فرنسا لتاريخها، بيد أن هناك فصلاً كان دائماً مفقوداً: أي إشارة كبيرة للمشاركة سيئة السمعة للبلاد في تجارة الرقيق. لكن هذا سيتغير عما قريب، فقد أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند هذا الشهر عن إنشاء مؤسسة كبيرة تضم متحفاً ونصباً تذكارياً للعبودية في باريس. وقال: «أتمنى أن أقدم لفرنسا المؤسسة التي ما زالت تفتقر إليها، مؤسسة لذكرى تجارة الرقيق وإلغائها». ويأتي إعلان الحكومة بعد أعوام من إحباط مجتمع السود في فرنسا - وهو واحد من أكبر المجتمعات في أوروبا- بسبب ما يعتبرونه طمساً للتاريخ المؤلم. يُذكر أن فرنسا اعترفت رسمياً بأن الرق «جريمة ضد الإنسانية» في عام 2001، لكنها لم تفعل شيئاً يذكر بعد ذلك. وبالنسبة لـ«لويس- جورج تين»، رئيس المجلس التنفيذي لجمعيات السود في فرنسا «كران»، الذي قاد حملة تدشين المؤسسة الجديدة، فإن الفشل العام الطويل في التعامل مع العبودية وإرثها يبعث برسالة واضحة، «فهو يعني بوضوح أن حياة السود لا تهم». في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كانت فرنسا ضمن الدول الرئيسية في أوروبا التي تمارس تجارة الرقيق، حيث قامت بالقبض على وبيع ما يقدر بـ1.4 مليون شخص قبل قيام القادة بتجريم العبودية عام 1848. وقد ازدادت خزينة البلاد ثراء نتيجة الفتوحات الاستعمارية في أفريقيا وجنوب شرق آسيا ومنطقة البحر الكاريبي، حيث ولدت سخرة العبيد سلعاً باعها التجار الفرنسيون فيما بعد في أوروبا. يقول المؤرخ «فريدريك ريجينت»، وهو خبير معروف في تجارة الرقيق الفرنسية: «لقد تم إلغاء العبودية، وأصبح العبيد القدامى مواطنين، وتم انتخابهم بعد ذلك نواباً، لكن اقتصاد المزرعة استمر بنفس السادة، الذين أصبحوا بعد ذلك «من أرباب الأعمال». وتساءل «تين» عن «الفرق بين هذا والعبودية. لا شيء». فهذا النوع من القهر الاقتصادي في الخارج استمر في ستينيات القرن العشرين، عندما فقدت فرنسا، التي تعثرت بسبب الحربين العالميتين، إمبراطوريتها الأولى. ويشير كثيرون إلى أن الظلم مستمر اليوم في صورة تفاوت اقتصادي واجتماعي بين الشباب من البيض والسود، والذي يقتصر على نحو متزايد على الضواحي الهامشية والوظائف منخفضة الأجر، وذكرت «ميريام كوتياس» مؤرخة وعضو المؤسسة التي ترعاها الحكومة، في مقابلة عبر الهاتف من مارتينيك «إنه نوع من العبودية حيث إن لدينا التمييز الذي لدينا اليوم والعنصرية التي نشهدها حالياً في فرنسا». في الوقت الحاضر، فإن النصب التذكاري الكبير الوحيد الذي يشير إلى تاريخ العبودية في باريس هو عبارة عن تمثال برونزي كبير لسلاسل مكسورة يقبع أمام مبنى مزخرف كان يوماً ما مملوكاً لـ(بنك أوف فرانس)، الذي كان متورطاً بشكل كبير في اقتصاد الرقيق. والتمثال، المدسوس بعيداً في ساحة حي أنيق على الضفة اليمنى من باريس، هو عبارة عن شيء يمر عليه الناس، ولكن لا يرونه. والقليل حتى يعرفون بوجوده. وهناك أيضاً نصب تذكاري للقضاء على الرق في «نانت»، وهي مدينة متوسطة المساحة تقع على الساحل الأطلسي من فرنسا، وكانت يوماً ما المركز الرئيسي لتجارة الرقيق في البلاد، ولكن هذا، بالنسبة لـ«تين»، هو أمر مختلف تماماً، فهو يقول: «فرنسا لديها ذاكرة لكي تمحوها، ولكن ليس العبودية». وبالمقارنة، فإن الفصول المؤلمة الأخرى من تاريخ فرنسا ممثلة تمثيلاً جيداً في المشهد المادي للعاصمة وفي مناهج المدارس العامة الفرنسية. *مراسل مقيم في باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

مشاركة :