على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على إعلان الأمم المتحدة اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام 1963م إلا أن الحديث يتجدَّد باستمرار حول داء (العنصرية)، وهو الداء الذي عانت منه الأمم والمجتمعات بمختلف أطيافها وأجيالها عبر التاريخ، ولم تتعافَ منه حتى اليوم، فلازلنا نسمع بوقوع حوادث عنصرية مختلفة حتى في الدول المتقدمة وخصوصًا من بعض المسؤولين، والذين من المفترض أن يكونوا هم قدوة لمجتمعاتهم، ومع ذلك فإن بعض دول العالم سعت ومن خلال سن بعض الأنظمة والتشريعات إلى محاربة هذا الداء، وعملت على وضع قوانين تُجرِّم العنصرية ضد لون البشرة، وإثارة النعرات الطائفية أو المذهبية للمحافظة على وحدة المجتمع. بالأمس نشرت إحدى الصحف المحلية دراسة حديثة لباحثتين من جامعة الأميرة نورة بالرياض عن مظاهر التأثير السلبي لبعض العادات والأعراف الاجتماعية، والتي لازالت سائدة من قبل البعض في مجتمعنا، ومن الأسباب التي ذكرتها الدراسة لوجود تلك الآثار السلبية التعصب القبلي والمفاخرة بين القبائل لإظهار القوة والوجاهة على تنمية المجتمع، مما يؤدي إلى ضعف مشاركة الشباب في النشاطات الاجتماعية، وانتقاص الأعمال الاجتماعية لربطها بالمكانة الاجتماعية والقبلية والتسلُّط الذكوري والنظرة الدونية لمشاركة المرأة في المجتمع، وقد جاء ضمن توصيات تلك الدراسة وضع قانون صارم للحد من التعصب القبلي. هذه التوصية قدّمت كمشروع في مجلس الشورى قبل حوالى 8 سنوات وذلك من خلال مقترح تم طرحه ولكن لم يُؤخذ به، ولكنه اليوم أصبح ضرورة ملحّة لأهميته في حماية الوحدة الوطنية، ومكافحة ظاهرة التمييز العنصري والتعصب المذهبي والمناطقي والرياضي بين أفراد المجتمع، وخصوصًا في ظل انتشار تداول الألفاظ العرقية، والسخرية من بعض المناطق، أو المذاهب الدينية والطائفية، بل وفي بعض الأحيان التكفيرية، وهناك العديد من الشواهد التي تؤكد ما خلصت إليه الدراسة سواء بتوجيه التهم لبعض أبناء المناطق بضعف الانتماء الوطني، أو قضايا تكافؤ النسب، أو بعض تجاوزات الساحة الرياضية والهتافات الجماهيرية، بل وقد تصل تلك الشواهد لبعض المجالس الإدارية المختلفة. لم تنجح التوعية في مكافحة داء العنصرية لأنها موجودة لدى البعض بشكل وراثي، ولم يتم استئصالها، بل إنها موجودة عند من يدّعي محاربتها، فهي ضد الوافدين وضد المتجنِّسين بل وضد بعض القبائل، وهي موجودة في مجتمعنا بأشكالٍ مختلفة، فتارةً تجدها في النظرات، وأخرى في العبارات، وأحيانًا في العقوبات، ولذلك نأمل الإسراع في وضع قانون يُجرِّم مثل هذه الممارسات العنصرية، لعله يساهم في إنقاذ مجتمعنا من هذا الداء المدمر. Ibrahim.badawood@gmail.com
مشاركة :