هل الفن وجاهة؟

  • 6/3/2016
  • 00:00
  • 49
  • 0
  • 0
news-picture

إن الإحساس بالزهو أو الكبر إذا ما اعتلى المسرحي صهوة المسرح، أو المبدع منصته فإنه لا بد أن يتم اجتثاث ذلك الإحساس على الفور، ذلك أن الفن بصفة عامة والمسرح بصفة خاصة لا يقبل بأي حال من الأحوال التعالي عليه. فإذا أمعنَّا النظر في يومنا هذا وفي فننا هذا، نرى أن الاعتلال يقصم صهوته؛ وقد صيغت آلاف الأسئلة، وتساءل الإعلام بكل أنواعه عن سبب هذا الاعتلال! ولكن لا نجد مراسيَ لقوارب التساؤلات! ولم يخطر ببال أي منا أن العلة الكبرى هي أولى درجات تبين الرؤية بالإحساس بالذات ثم يتطور الأمر إلى الذاتية المفرطة حتى تصل إلى حد التضخم. لم يكن الفن أو المسرح منذ تلامس الإنسان مع الطبيعة في تداخل سيّال سوى حيلة منه للإحساس بالأنس والتغلب على قهر الخوف والاغتراب. فالفن هو الطريقة التي تسلكها الذات للاقتراب من الموضوع وبالموضوع، والتغلب على قهر الطبيعة، وبالتالي أصبح الإنسان والإبداع متلازمين للحصول على المتعة. وبما أن ذلك كذلك فلا يتأتى للإنسان التعالي على إبداعه وعلى وسائله ومن هنا يبدأ الهرم في التصدع. في يومنا هذا نجد أن الإبداع يتوارى خلف غطرسة صناعه، فأول ما يضع الفرد منا قدمه على أولى درجات تبين الرؤية، تنتفخ أوداجه ثم ينثني وينثلث ثم يعوج في آخر المطاف وتلك هي الكارثة! فلا نجد إلا أواني فارغة يملؤها الهواء فيعلو رنينها، وبطبيعة الحال كلما زاد الفراغ ارتفع الطنين والرنين والصداع أيضا.! ونحن لا ننكر أن بيننا من هم مبدعون حقا ويستحقون التقدير ولكن ما يطفو على السطح هو ما خف وزنه، ونحن نتحدث عن مشكلة عامة تعم جميع الوطن العربي ومبدعيه، فالفن والإبداع لا وطن لهما ولا جنس لأنهما نسيج يخص الإنسان والإنسانية على حد سواء وهو ذلك الناقوس الذي يدق في عوالم الوعي ويوقظ نواعس المعرفة. والمسرح هو المارد الأكبر إن صح التعبير، فالخشبة المسرحية لا تقبل التعالي، ولا تعترف بالمراهقة الفكرية، فالذين تمردوا على فرقهم بعد أن تحققوا نجد أنهم قد خسروا كل شيء، وذلك يرجع لأن الفرقة المسرحية ما هي إلا عائلة كبيرة بكل معاني الكلمة، وفي عرفنا أو قل في عرف المجتمع الإنساني أن الذي يتمرد على عائلته فقد ضلَّ الطريق، وأولى هفوات المبدع هي التمرد على ما بين يديه من عمل إبداعي وعن العمل الجماعي في تحقيقه، التواضع للإبداع ذاته يهدي صاحبه صنوف الود والمتعة ثم يرافقه إلى الارتقاء كل يوم إلى ما هو أفضل. من أين أتت لنا خصلة التعالي حينما نحمل صفة مبدع، بالرغم من أن الإبداع لا يحمله إلا ذوو الإحساس المرهف والشفيف؟ وانتفاخ الذات حين التحقق يجعل الفرد منا في قطيعة نفسية ووجدانية مع الوجدان الجمعي عامة ما لا يتسق مع ما يحمله الإبداع من معان.! إذا ما دققنا النظر في العمل المسرحي على سبيل المثال، فسنجد أنه يتوجب ألا يكون العمل على المسرح كلا على حدة يل يجب التواصل حتى بالنظرات لينتقل الإحساس بين جميع أفراد العمل الفني، ذلك أن الإحساس معد ينتقل بين جميع أفراد العمل ثم ينتقل بدوره إلى المشاهدين صدقا فصدقا أو كذبا فكذب؛ وكذلك الموسيقى وحتى الفن التشكيلي وكل صنوف الفنون والتي لا تنجح إلى إذا ما انتقلت العدوى! ولدينا هنا سؤال مهم وهو: هل ترغب في أن يعرف الجمهور اسمك، أم تريد فقط إسعاد جمهورك؟ إن المشكلة تكمن في الإجابة عن هذا السؤال، فإن كانت الأولى كانت كارثة، وإن كانت الأخيرة فقد حمل في يده مشعل الوجدان وحب الجمهور وحتما سيعرف الجمهور اسمك فيما بعد! إن جيل المبدعين من محترفي الفن في زماننا هذا يستعجلون الأمور (فتسلق) أعمالهم والعمل الناجح لا بد أن يدخل الفرن لينضج الصلصال الذي يكتسب صلابة من نضجه. هناك فنان مسرحي يدعى (ماي سييف) أسس مشروعه المسرحي الذي ابتدعه حتى قيل إنه قد بلغ درجة الكمال فكان يقول: إن الأفضل هو من يجدد نعل حذائه مرتين في الشهر لأن ذلك يعني أن يبذل مجهودا مضاعفاً ثم يقول: نعم أن تتوق إلى الحرية ولكنك حين تحصل عليها قد تفقد رشدك وفي ذلك دعوة إلى الطموح المتواصل وعدم الإحساس بأنك قد بلغت قمة الهرم وما من أحد أحس أنه اعتلى صهوة الفن إلا وكانت بداية سقوطه بطبيعة الحال!. ثم لماذا نذهب بعيدا ولا ننظر لمبدعينا العظام، فقد كان عبدالحليم حافظ يقيم بروفات عمله في مدة تزيد على ستة أشهر وكذلك سيدة الغناء أم كلثوم وعبدالوهاب وغيرهم ممن يرهبون الفن؛ فاللفن رهبة لا يستشعرها إلا الفنان بحق. ومن كل هذا وذاك لم يعد للتساؤلات عن مستوى هبوط الإبداع في بلادنا مجال، لأن المسألة قد تحولت إلى الوجاهة.

مشاركة :