حروب السادة الكتّاب: «آخر سطرين في المقال»

  • 6/4/2016
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

لم تطل حرب صحافية كما طالت الحرب التي قامت حول قصيدة نزار قباني بعد حرب 1967، التي جعل عنوانًا لها «هوامش على دفتر النكسة». لم يبقَ كاتب أو شاعر كبير أو صغير أو مزعوم أو متسلق، إلا وهاجم نزار، أو مدحه أو تسلق على كتفيه، ليقول للناس: أنا أيضًا هنا، وأنا أستطيع الرد على نزار. وكان العاتبون كثرًا، أولهم الرئيس جمال عبد الناصر الذي اعتبر نفسه المعني الأول بكلمات نزار، الجارحة والمجروحة: «أنعى لكم، يا أصدقائي، اللغة القديمة والكتب القديمة / ومفردات القهر والشتيمة / أنعى لكم.. أنعى لكم، نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة». غير أن نزار كتب إلى عبد الناصر يشرح أحزانه وأسبابه، فقرر الرئيس المصري أن المسألة منتهية بالنسبة إليه، غير أنها بقيت مفتوحة بالنسبة إلى الناصريين. كعادته في المعارك، قال نزار كلماته ومشى. وتقول الكاتبة نوال مصطفى في كتابها «نزار.. وقصائد ممنوعة» إنه خرج من تلك الأزمة، كما من غيرها، منتصرًا، «ومن كل كمين محمولاً على الأكتاف». واستمر الجدل حول الهوامش شهورًا طويلة. وكنت ترى المشاهير والمجاهيل قادمين إلى دور الصحف يحملون الردود والتعليقات. وفي داخله، كان نزار يشعر بالزهو، ويفخر أنه هز أركان الأمة. وكان من النوع الذي يشعر بأنه «يجب أن يتزوج الجمهور» كما قال الشاعر.. وكان يقول لي ضاحكًا وفرحًا: «سوف ألحق بكل قارئ عربي إلى آخر الدنيا لآخذ مائة دولار ثمن الديوان». وبعد «هوامش على دفتر النكسة» استطاب أن يثير من حوله العواصف السياسية، خلافًا لعواصف العشق التي كان يثيرها منذ نهاية الأربعينات. على أنه لم يتخلَ عن الواحدة الأخرى. وعندما بلغ الخامسة والسبعين كتبت في «الرأي» مقالاً مطولاً في مديح الشاعر الكبير والإنسان الجميل، وختمته بسطرين تمنيت فيهما أن يكف عن الغزل احترامًا لسنه. وعرفت مسبقًا أن هاتفي لن يرن بعد ذلك. وبعد انقطاع طويل التقيته، بالصدفة، أمام «هارودز»، وتعانقنا «كأن شيئًا لم يكن»، ثم دلفنا إلى مقهى مجاور. وبعد أكثر من ساعة قمنا ننصرف فقلت له: «أبا توفيق. قد تكون قد انزعجت من مقالتي ...»، فقاطعني فورًا باللهجة الشامية التي كان يزيدها ظرفًا: «أبدًا سيدو. كان هناك مقالان، الثاني مؤلف من سطرين أضافهما رئيس التحرير»! استمر حتى مرضه يثير العواصف، مرة ناثرًا في مقاله الأسبوعي في «الحياة»، وأحيانًا شاعرًا مثقلاً بالأحزان ومفعمًا بالثورة على الصدأ العربي.

مشاركة :