مسرح القسوة في تويتر

  • 6/9/2016
  • 00:00
  • 28
  • 0
  • 0
news-picture

ما سر هذه العدوانية الفائضة في تويتر؟ ولماذا يتفنن بعض رواد هذا الموقع في ابتكار العبارات الجارحة؟ وكيف يمكن فهم تلك النفسيات المغرمة بإذلال الآخرين؟ هذه أسئلة مرّوعة ومحتّمة بالتماس مع تقنيات التلميح والتضمين والتصريح المختزنة بمعاداة الآخر. وإذ لا نجد لها جواباً في خطاب المعتدي، فلن نجد لها أي تفسير عند الضحية. ولا يمكن بحال إرجاع كل ذلك التجابه العبثي إلى فكرة الاختلاف العقائدي. فهناك من يتصارعون حول أمور بعيدة كل البعد عن المكامن الدينية. ويبالغون في إبداء أسوأ ما تضمره النفس البشرية. وكأن التواصل الإنساني لا يعني عند هذا الصنف من البشر إلا ممارسة التوحش بكل معانيه الأخلاقية والثقافية والاجتماعية. العدوانية لا تصدر إلا عن ذات فاسدة النسيج. مهما تدثرت بالعقلانية. ومهما بدت راغبة في الحوار. وهي سلوك تدميري ليس للآخر فقط بل للذات أيضاً. حيث يبعث المغرد البذيء برسائل صادمة ومؤذية حتى لمن لا يتقاطع معه ولا يتابعه. بمعنى أنه يرسم معالم الصورة المنحطة التي يبدو عليها ولا يريد لأحد الاقتراب منها. لأن منسوب العنف في داخله يجعله على الدوام في حالة من التأهب لمهاجمة المختلفين معه والحط من قدرهم وتبديد أي فرصة للتفاهم معهم. بل انه يحملهم مسؤولية الخلل في العلاقة لأنهم تجرأوا على مخالفته والتعبير عن وجهة نظر مغايرة لأفكاره. وهو أمر لا يطيقه ولا يتحمله بالنظر إلى ما يختزنه في ذاته المتعالية من أوهام امتلاك الحقيقة. الاختلاف على الأفكار وبها قد لا يؤدي إلى تصعيد الحالة العدائية ما بين المتحاورين. ولكن عندما يكون لدى أحد الأطراف قابلية تحويل الاختلاف الفكري إلى خصومة أخلاقية تتغير خارطة المجابهة. وعندها يتحول الجدل إلى صراع حول القيم التي تلامس جوهر العلاقات الإنسانية. وتلك سمة من سمات المغرد العدواني الذي يدفعه نسيجه الفاسد إلى تكرار اعتداءاته على الآخرين وعدم الاكتفاء بهفوة عابرة مغفورة للجميع. بمعنى أنه داخل وتيرة هجومية هي بمثابة شخصيته. وهي سلوكه الذي يمتزج فيه الهستيري بالرهابي بالعنفي. وعليه، فهو لا يشعر بالراحة ما لم يتمكن من تحطيم أحد أو مضايقته على الأقل. تدمير الآخر إذاً هو مبرر وجود المغرد العدواني في تويتر. لأن ذلك الفعل هو ما يوهمه بامتلاك السلطة. ولفت الأنظار إلى شخصيته المتسلطة. واكتساب المعجبين بجرأته على دك مواقع الخصوم. والفتك بهم. لدرجة أنه يستمرئ الألقاب التي تطلق عليه من قبل المغردين. حتى وإن كانت من باب الهزء به والاستخفاف بعقليته. المهم أن يكون في واجهة المشهد التويتري. وأن يكون هو المنتصر دائماً ولو بالشر على مسرح القسوة تويتر. لأنه من صنف الأشرار الذين لا يبدون أدنى تعاطف مع ضحاياهم. أي من أولئك الذين لا يأبهون بآلاف البشر. ولا يشعرون بالذنب إزاء أي فعل تدميري يقترفونه. هؤلاء اليوم هم سادة المشهد التويتري. وهم حاضرون بأشكال مختلفة، ربما يكون أخطرها وأقبحها قالب المثقف المستخف بغباء ضحاياه وضعفهم. الذي يخاطب خصومه من موقع السلطة، وبذخيرة غوغائية لا يمكن الوقوف في طريقها. مستفيداً من السياق الثقافي الاجتماعي الذي يؤسس لحالة العداء ويرعاها بمختلف الوسائل. وهذا هو ما يشجعه على اقتحام الفضاء الروحي للآخرين والتطاول على مجالاتهم النفسية والمعنوية. لأنه يتحرك في مجال تضيع فيه الحدود الأخلاقية والدينية ويموت فيه الضمير الأدبي. وكل ذلك تحت عنوان الحوار. وأحياناً، وهو الأكثر مخاتلة وتضليلاً، بدعوى التنوير. إن هذا النوع من الجنون ليس ناتجاً عن شخصية عصابية أو مضطربة عقلياً كما قد يبدو، بل عن ذات تمتلك من المواهب ما يكفي لاستعراض فسادها الأخلاقي. ذات مغرمة بالتسلط. ذات مريضة بتعذيب ضحاياها. حيث يمكن الكشف عن تلك النزعة من خلال اللغة التي يستخدمها هذا العدواني في مخاطبة الآخرين، وفي إصراره على تكرار وصف محاوريه بأسوأ الصفات. بدون أدنى شعور بالمرارة أو الخجل أو الأسف. فتلك هي عاداته ويومياته التي لا يجد لنفسه مبرراً خارجها. أي سلب الآخر شخصيته والانتحار الذاتي بتشكيل صورة قاتمة عن شخصيته عن الآخرين. وتلك هي المرآة التي تتحطم عليها نرجسيته.

مشاركة :