خطيب جامع الخير يدعو إلى الاحتفاء بالأم وتكريمها في عيدها

  • 3/18/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

قال خطيب جامع الخير بقلالي الشيخ صلاح الجــودر في خطبته أمس إنه في زمن كثرت فيه الملهيات، ونسي بعض الناس وتناسوا حقوقًا مهمة في حياتهم، وواجبات يجب عليهم أداؤها، فإن لنا اليوم وقفة مع حق من حقوق الآخرين لا يمكن تجاوزه، كيف لا وهو حق أغلى إنسانة في الوجود، إنها جنة الفرد في الأرض، والجوهرة الغالية، والسيدة العظيمة، إنها الأم، حية كانت أو ميتة!!. إنها الرحمة والحب والألفة، إنها المبادئ والقيم، إنها المربية الحقيقية، عطرها يفوح، وعبيرها يسمو، فهي مركز الارتباط الأسري، والمدرسة الجامعة، فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق، صفاء القلب ونقاء السريرة، عتاد البيت، وملاذ الحائر، تسلية وتأسية، حنانًا ورحمة، جدها حكم وعبر، ومزحها نزهة وفسحة وراحة، كأنها الشجرة الوارفة، والنخلة السامقة، مخزن الودائع، ومنبع العجائب، نعم الجليس، وخير الأنيس، قال تعالى على لسان عيسى بن مريم: «وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا» (مريم: 32). جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال ثم من؟ قال: (أمك)، قال ثم من؟ قال: (أمك)، قال ثم من؟ قال:(أبوك) [مسلم]. وهذا الفضل للأم لأنها صبرت على الحمل والوضع والرضاع والتربية، وجعل للأب حقًّا واحدًا مقابل النفقة والتربية والتعليم، فبر الأم من أعظم الأجور وأهم الواجبات، بل إن التقوى لا تتحقق إلا ببر الأم والإحسان إليها، قولاً وعملاً، فألن لها الكلام، وأبسط لها الوجه، وقم بخدمتها، من دون كلل أو ملل، وخاصة عند الكبر أو المرض أو الضعف، فلا تقل لها أف ولا تنهرها ولا ترفض لها طلبًا.. رأى ابن عمر رجلاً قد حمل أمه على ظهره وهو يطوف بها حول الكعبة، فقال: يا ابن عمر أتراني جازيتها؟ قال: ولا بطلقة من طلقاتها ولكن قد أحسنت، والله يثيبك على القليل كثيرًا، وجاء عنه كذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان)، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والرجلة) (النسائي والحاكم). قال تعالى: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب أرحمهما كما ربياني صغيرا» (الإسراء: 17). تأمل حال صغرك وأنت صغير، ضعيف، فقد حملتك أمك في أحشائها تسعة أشهر وهنًا على وهن، وحملتك كرهًا ووضعتك كرهًا، ولا يزيدها نموك إلا ثقلاً وضعفًا، وقد رأت الموت بعينيها وهي تضعك، ثم شغلت بخدمتك وتغذيتك والاعتناء بك، تمرض لمرضك، وتبكي لبكائك، وقد ذكر الله سبحانه دعاء الأنبياء لوالديهم في غير ما آية من كتابه الكريم، ومن ذلك دعاء نوح «رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا»، ودعاء إبراهيم «ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب»، ومن قصص السلف الصالح أن أبا هريرة إذا أراد الخروج وقف على باب أمه فيقول: السلام عليك يا أماه، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول رحمك الله كما ربيتني صغيرًا، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرًا. وكان زين العابدين من أبر الناس بأمه؛ وذلك لأنه لا يأكل معها في صحنه، وعندما قيل له لمَ ذلك قال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما تشتهيه فأكون قد عققتها. ويقول محمد بن سيرين: بلغت النخلة على عهد عثمان (رضي الله عنه) ألف درهم، فعمد أسامة بن زيد إلى نخلة فاشتراها، فنقرها وأخرج جمّارها، فأطعمها أمه، فقالوا له: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلةَ قد بلغت ألف درهم؟! قال: إن أمي سألتني، ولا تسألني شيئًا أقدر عليه إلا أعطيتها. وبكى إياس بن معاوية حين ماتت أمه بكاء شديدًا، فقيل له لمَ ذلك فقال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق أحدهما، وحُقّ لعين بُكاها. وصف لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) رجلاً بأدق وصف لما تميز به من بر أمه، فأخبر عن علو منزلته عند الله وعند رسوله (صلى الله عليه وسلم)، حتى أنه (صلى الله عليه وسلم) أمر الصحابة بالتماس دعوته وابتغاء القربى إلى الله بها، لأنه إذا أقسم على الله أبره، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه: (يأتي عليكُم أُوَيْسُ بْنُ عامِرٍ معَ أمْدادِ أهلِ اليمن مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كان به بَرَصٌ فَبَرِأَ مِنْهُ إلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، له والدةٌ هو بها بارٌ، لو أقسم على الله لأبَرَّهُ، فإن اسْتَطَعْتَ -أي يا عمر- أنْ يَسْتَغْفِرَ لك فافْعَلْ) (مسلم)، فكان عمر إذا أتى عليه أمدادُ أهلِ اليمن يسألهم عنه: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس بن عامر فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال مِن مُرَادٍ ثُمَّ من قَرَنٍ؟ قال: نعم، قال: فكان بك برصٌ فَبَرأتَ مِنْهُ إلا موضِعَ دِرْهَمٍ؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله يقول.. وذكر الحديثَ وطلب منه أن يستغفر لهُ، فاسْتَغْفَرَ لَهُ. وفي المقابل نرى الصور المؤسفة في زماننا هذا حين نرى رجلاً وقد أحاطه الله بالنعم والخير والرزق الوفير، فارتفع مستواه الاجتماعي والمادي ولكنه طغا وتكبر على أمه، فأعمت الدنيا بصيرته وعق ولادته، فقاطعها أو رمى بها في الشوارع أو في أحد المراكز الاجتماعية، والمؤسف أن تكون زوجته أم أولاده شريكًا في هذا الإجرام!!، أهكذا تكافأ الأم، وهل جزاء الإحسان القسوة والنكران والهجران؟! إن بر الأم علامة الإيمان وحسن الإسلام، فحق الأم عظيم، فمن حقها أن تسلم عليها وتقبل رأسها ويديها، وتدعوها بأحب الأسماء إليها، وتنفق عليها، وتجلس وتأكل معها، قدم لها الهدايا والعطايا فهي كسائر النساء، واحرص على دعائها لك ولزوجك وأبنائك، فإن رضاها من رضا رب العالمين، ولا تنس أن الجنة تحت قدميها. ألا فاتقوا اللهَ رحمكُم الله، فمن أراد الثوابَ الجزيلَ، والذكرَ الجميلَ، فليذكر بربه، وليصل على نبيه، وليبر والديه، وليصل رحمه.

مشاركة :