حاجة الأمة إلى مراجعة الذات

  • 6/21/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تعيش الأمة العربية انقسامات وصراعات كبرى في بعض المجتمعات، ما يجعل وعيها غائباً عن حاضرها ومستقبلها، لاسيما أنه لا سمح الله قد يسبب انعكاسات على وجودها القائم، ولا شك أن الفرق شاسع بين الاختلاف الطبيعي الذي يقتضيه الواقع من اختلاف في الرؤى والنظر في مسائل يقتضيها التعدد الذي هو من طبائع البشر وجبلة بشرية، والانقسامات الفكرية والسياسية، وهذا ما يجعلنا نقبض على قلوبنا من آثار هذا الانقسام الذي يؤثر في الوعي العام للأمة العربية، وهذا ما يؤشر إليه د. برهان غليون في كتابه (الوعي الذاتي)، حيث يقول الثنائية دائمة، وأن الإنسان لا يرى نفسه ولا يعيها إلا من خلال هذه الثنائية المعممة في الوعي والعقل والممارسة: ثنائية الحديث والقديم، والسلفي والمتجدد، والأصولي والمعاصر، والديني والعلماني إلخ...وفي جميع المحاولات النظرية التي تعرضت لهذه الأزمة، يبدو تأكيد هذا الجانب أو ذاك أو الدفاع عن ضرورة التوفيق بينهما، التزاماً أساسياً لدى مختلف الأطراف. ولكن قليلة هي الدراسات التي سعت إلى الذهاب أعمق من ذلك لرؤية الأسباب الكامنة وراء هذه الثنائية، والمنابع التي تستمد منها حياتها واستمرارها. وهكذا لم يقم الفكر النظري العربي في العقود الماضية، وبقدر تبنيه لهذه الثنائية كواقع ثابت وطبيعي، إلا بإعادة إنتاجها وتجديدها. وبسبب ذلك فإن منهج دراسة الفكر والثقافة بقي في أغلب الأحيان، إن لم يكن في جميعها، منهجاً سجالياً يقوم على تبرير تأكيدات ومواقف معينة أصالية أو عصرية، والدفاع عنها في وجه خصم مفترض. فلا يمكن أن يصدر هذا التجاوز إلا عن منهج التحليل التاريخي والمعالجة العلمية التي لا تنطلق من مناقشة صحة أطروحة الحداثة والأصالة أو خطئهما، وإنما تقوم على البحث عن مصدر هذه الثنائية في الوعي والواقع معاً. هذا لا يعني كما يرى غليون أنه ليس لهذه التيارات السائدة والمتصارعة تفسيراتها الخاصة وغير المعلنة لأزمة الثنائية الثقافية، إذ في ردودها المتبادلة تحاول كل الأطراف أن تظهر سبب بقاء الأطراف الأخرى، وتلحقه بشكل أو بآخر بعوامل سلبية داخلية أو خارجية. ثم إنها تحتاج لتبرير نفسها وشرعية وجودها إلى أن تعطي تفسيراً خاصاً وإيجابياً لوجودها ومزاعمها. ويمكن تلخيص هذه التفسيرات في مذهبين أساسيين يتفقان في إرجاع عوامل هذه الأزمة إلى أسباب تاريخية قديمة أو خارجية حديثة، مستثنين من ذلك ومستبعدين عوامل الحاضر والواقع العربي الراهن في الوقت نفسه، لكن نشوء تيارات ثورية أو معادية للإمبريالية والرأسمالية وللبرجوازية معاً في حجر الأيديولوجيات التقليدية الدينية والقومية، وتصفية البنى الإقطاعية، قد أدخلا عنصراً جديداً إلى المعادلة، شكك في صلاحية منطقاتها وأظهر ميكانيكيتها. وهكذا ولد اتجاه ثالث جديد توفيقي يسعى إلى الربط بين الاتجاهين، ويصلح أحدهما بالآخر على أرضية تفسير اجتماعي موحد لا ينفي أطروحات التحديثية الأساسية، ولكنه يغنيها. وباختصار لا تنبع أزمة الثقافة العربية من استمرار وجود تيارين فكريين متنازعين، فلا يمكن تقليصهما إلى وجود كل واحد منهما. فهي إذن جزء من أزمة الفعل العربي. ولا مخرج منها، كما يشير غليون، إلا بتجاوز هذه القطيعة وتحرير الفعل. إن الصراع على السيطرة الأيديولوجية، الذي يجعل من الثقافة ساحة معركة أساسية هو الوجه السائد للصراع الاجتماعي في مجتمعات العالم الثالث الراهنة التي تعاني من تقهقر حقيقي في مواقعها الدولية، سواء على الصعيد السياسي أو على صعيد تقسيم العمل العالمي، وذلك بعد انهيار أوهام التنمية والتصنيع التي تعاظمت بعد الاستقلال. القضية الأهم التي نراها جديرة بالاهتمام هي أن مراجعة الأمة لذاتها أصبحت ضرورية ولازمة للحفاظ على وجودها من الانهيار والتصدع والانقسام، وهذا يحتاج إلى رؤية واعية وعقلانية لحل الإشكالات القائمة، ورفض ما يراه بعضهم وسيلة غائية لفرض الفكر بالقوة والإرغام والفرض. عبد الله بن علي العليان alaliyan@gmail.com

مشاركة :