خارطة طريق من وحي مكارم الأخلاق | محمد بشير كردي

  • 7/29/2016
  • 00:00
  • 54
  • 0
  • 0
news-picture

تناقلت مواقع التواصلِ الاجتماعي مُؤخَّرًا، وقبلها شاشات التلفزة العالميَّة لقطة فيديو في ظاهرة لا يمكن أن نراها في العالم العربي. كانت اللقطة لرئيس وزراء بريطانيا المستقيل؛ ديفيد كاميرون، وهو يحمل بنفسه علبة كرتونيَّة كبيرة الحجم، في داخلها محتويات مكتبه الشخصيَّة، الذي اضطر لمغادرته عن طيب خاطر، بعد أن خذله الاستفتاء الشعبي على بقاء بلده بالاتحاد الأوروبي. مشهد كهذا يبدو طبيعيًّا عند الشعوب التي فهمت ما تعنيه الديمقراطيَّة، إذ لا احتكار لسدَّة الرئاسة، ولا بدَّ من احترام رأي الأغلبيَّة، فلا اتِّهام بالخيانة لمن يختلف مع السيد الرئيس بالرأي، ولا زج في السجون للمعترضين، ولا المعارضين، بل الجميع شركاء في الوطن. شاهدنا ذلك عند العديد من القادة ومن بينهم السيدة تاتشر التي أسقط مجلس العموم البريطاني ثقته بها، وهي التي حقَّقت النصر في حرب جزر الفوكلاند عام 1982. شوهِدت بسيَّارتها الشخصيَّة المتواضعة تنتقل بها من 10 داوننغ ستريت مقرِّ رئاسة مجلس الوزراء، إلى سكنها الشخصي. قبلهما، الجنرال ديغول، باني الجمهوريَّة الفرنسيَّة الخامسة، بعد استفتاء عام على مجموعة من الإصلاحات تعهَّد بها إن كسب الثقة لمواصلة حكمه للبلاد. جاءت نتائج الاستفتاء غير ما توقَّعَ بنسبة طفيفة، فتنازل الجنرال عن السلطة عقب الاستفتاء في أبريل 1969، وانسحب تمامًا من الحياة السياسيَّة. هذه الديمقراطيَّة التي تبدو مستهجنة، وغير مألوفة، ومستحيلة عند غالبيَّة حكَّام العالم العربي، الذين وصلوا إلى سدَّة الحكم على ظهر دبَّابة، هي من أوليَّات مواصفات الحاكم المسلم، أيّ هي من عندنا، ولو خالفت في مفهومها الطغاة الذين اتَّخذوا شعار «الأسد إلى الأبد»، أو ما يماثله من شعارات ويافطات نراها في الميادين، والمباني الرسميَّة، والفنادق، ومكاتب المسؤولين بجانب صور السيِّد الرئيس. لدينا في سيرة رسولنا الكريم، ومن ما أوحى به الله عليه، ومن الأمثال الشعبيَّة المتوارثة منذ القدم، خارطة طريق لتحقيق مكارم الأخلاق، وكرامة الإنسان، ومنها على سبيل الذكر، وليس الحصر قوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُوْرَى بَيْنَهُم). وقول رسولنا الكريم: «الخَلْقُ كُلُّهُم عِيَالُ اللهِ وَأَحبُّ خَلْقِه إِلَيْهِ أَنْفَعَهُم لِعِيَالِهِ». خارطة الطريق الإسلاميَّة هذه وضعها في أرفف النسيان حكَّام طغاة، شدَّهم غراء كرسيّ الرئاسة، وجاءهم من يشدُّ على أيديهم الملطَّخة بدماء شعوبهم، غزاة صفويُّون جُدد، طامعون في نشر مذهبهم الصفويّ الفارسيّ في بلاد العرب، كردَّة فعل ما تزال متواصلةً منذ وصول الإسلام إلى بلاد فارس، وهدم إيوان كسرى، والقضاء على الإمبراطوريَّة الفارسيَّة، مُتَخدة من قصَّة أحقِّيَّة آل بيت رسولنا الكريم في حكم المسلمين دون غيرهم من القادة والمفكِّرين لزعزعة الحكم في بلاد المسلمين منذ أن تقاسم حكم البلاد قبل ألف وأربعمئة عام خليفة في مكةً المكرمة، ثمَّ في الكوفة، وبعده خليفة في دمشق، وآخر في بغداد. وحانت اليوم الفرصة لقيصر روسيا الجديد ليبني قواعد روسية على الشواطئ الشرقيَّة للبحر الأبيض المتوسط زارعا قواتِّه البريَّة والبحريَّة والجويَّة لمساعدة المستأسد على الحكم في سوريا في تصفية كلِّ معارضيه. ترى إلى متى ستستمر هذه المهزلة والإهانة لكرامة الإنسان العربي والمسلم الذي خلقه الله ليعمر الأرض وينشر الأخوَّة والمعرفة بين خلق الله ؟!

مشاركة :