من المطار إلى المدينة، كل شيء سوف يكون حديثًا في نيروبي. وبالنسبة إلى رجل قادم من بيروت، عاصمة الحداثة المشرقية يومها، كان وسط نيروبي مبهرًا بناطحات السحاب و«المول» و... المتسوقات من جميع البلدان والألوان. وما دامت للسجع أحكامه، فالرجاء أن تضيف ملكة جمال الحركة في «المول»، كريستينا، التي من اليونان. كان كل شيء في نيروبي فرحًا أيضا. البشاشة في كل مكان، تقريبا. وسبب هذا التحفظ التقريبي أننا عندما ذهبنا في المساء التالي لحضور احتفالات «الأوهورو» في الملعب الوطني، كانت كل ألوان كينيا هنا تؤدي الرقصات القبلية. جميع الغابات بريشها الطويل ورماحها وأجسامها الطويلة التي تربح سباق العدو الأولمبي كل مرة، كانت هنا، ترقص وتغني وتهزج، ثم تردد دفعة واحدة: أوهورو. لم تكن للضيوف كراسي يجلسون عليها، بل مقاعد خشبية متساوية. ولهذا السبب كنت على بعد مترين من حيث جلس ممثل سوريا إلى الاحتفالات، الدكتور صلاح الدين البيطار. ولم يكن رئيس الوزراء السابق يحمل هذه المرة لقبًا أو حقيبة. وما أقسى أحكام «البروتوكول»: كل من هو سابق فهو سابق، والعزة لمن خلف. قمت إلى الدكتور البيطار وسلمت عليه معرفًا بنفسي. وكان شديد التهذيب، ولكن أيضا شديد الكآبة. لم أدرِ يومها لماذا. لكن أستاذ الفيزياء السابق الذي شارك في تأسيس حزب «البعث»، كان، على الأرجح، يدري. بعد اغتياله في باريس على أيدي الرفاق، سوف يدفن في بغداد. وهناك سوف يُدفن أيضا شريكه في التأسيس، ميشال عفلق. تبادل بعثا العراق وسوريا النفي والقتال والتراب الأخير. ما الذي يبعث على الابتسام. ليس حتى هذا المشهد الملوّن الذي تقدمه كينيا إلى العالم أجمع كأول احتفال من نوعه في التاريخ: الطبول تمزق جدار الليل، والرماح تلمع كأسنان عبلة في معلقة ابن شداد. وعلى المنصة الكبرى، باسما، يلوح بذنب الحصان، عنترة العصر: جومو كينياتا.
مشاركة :