يُتداول في هذه الأيام مناقشات حول إعادة الشباب وحيويته الظاهرة والباطنة لمن عبر قطارهم محطة الخمسين والستين أو فاقهما. وهناك مراكز كثيرة انتشرت في دول شرق أوروبا والشرق الأوسط وبعض الدول الأوروبية الغربية تدعي قدرتها على عكس اتجاه العمر وأن بإمكانهم من خلال حقن خلايا جذعية أو مواد أخرى أو إجراءات طبية معينة أن يعيدوا الشباب لمن فقدوه وأن يرسموا النضارة على محيا الشيوخ. وكالعادة تسمع عن قصص ترويجية تتحدث عن فلان وعلان اللذين ذهبا هناك وعن ثنائهما على تلك الإجراءات. أي شخص أو مؤسسة يمكن لها أن تدعي ما تشاء، وتزعم أن بإمكانها عمل المعجزات، ولكن ما لم تكن مبنية على البراهين العلمية التي تثبت ذلك الادعاء فسيبقى ادعاء مثله كمثل بقية الادعاءات التي نسمعها بين الحين والآخر، والتي تروج لها القنوات ووسائل التواصل الاجتماعي. ولأهمية أن تُبنى الممارسات الطبية والعلاجية على أساس متين من "الطب المبني على البراهين" أصبح ذلك علما قائما بذاته يدرس لطلبة الطب، ويعتمد عليه في نشر الأبحاث وقبول التوصيات. وعلى أساس مستوى البراهين التي يعتمد عليها الإجراء الطبي يمكن أن تصنف إلى فئات تزيد قوة أو ضعفا بناء على ما حققته من معايير البراهين. وبناء على تلك المعايير يمكن أن نجزم بأنه إلى هذه اللحظة ليس هناك برهان على صحة ادعاء التشبيب (De-aging) أو ما يمكن أن نسميه عكس حركة عجلة العمر بعد. وستبقى تلك الادعاءات وسيلة تكسّب لأموال الناس بغير حق لا تختلف في ذلك عما جنته الشركات من عقار "الميلاتونين" الذي وصف بأنه إكسير الحياة في كل الصحف العالمية والمحطات التلفزيونية المرموقة، أو "ليف 52" من بلايين الدولارات وفي النهاية وجد أن أحدهما لايعدو كونه مساعداً في تنظيم النوم، والآخر سم قاتل. والأمثلة كثيرة وتتعاظم يوماً بعد يوم.. وكل ادعاء عن استخدام خلايا جذعية من نوع خاص أو مصدر معين أو من الإنسان نفسه بغرض إعادة حيوية الشباب هو مخالفة صريحة للبراهين والدلائل ولأخلاقيات المهنة. ولهذا لانستغرب أن تنمو مثل هذه المراكز التي تدعي عكس اتجاه عجلة العمر في الدول المتخلفة وشبه المتخلفة التي تضعف فيها القوانين المنظمة للممارسات الطبية، وينتشر فيها الفساد. أما أبحاث الخلايا الجذعية فلا تزال في مراحل البحث العلمي، وتطبيقاتها العلاجية محدودة جدا، وبرغم بعض النجاحات في علاج حالات معينة من أمراض الدم إلا أنها تعتبر في مرحلة الحضانة. والأمل معقود بإذن الله على نتائج تلك الأبحاث الجادة في الخلايا الجذعية لعلاج معظم الأمراض مستقبلاً بما في ذلك احتمالية الاستغناء عن زراعة الأعضاء. وعندما يكون هناك فتح علمي فسيكون مهيأً للجميع وفي كل مكان. عندها سيكون العلاج في المراكز العالمية المتقدمة وليس في دهاليز الابتزاز..
مشاركة :