المأمول من أهل العلم أن يربوا في الطلاب التفكير الناقد، والمناقشة، وسماع ما عند الآخر، ثم عرضه على الدليل، فالحق يقبل مهما كان قائله، والباطل يرد مهما كان قائله أرسل إليّ أحدهم مقطعا لمقابلة مع رئيس قناة العربية، وقد ذكر في سياق ذكرياته وتجربته، أن قيادات أصحاب التدين الحركي الحزبي لهم وصاية على أتباعهم، ولا يجعلونهم يناقشون، وإنما يصدرون الأوامر: افعل، لا تفعل. وقال: حذروني من سماحة الشيخ صالح الفوزان "حفظه الله". وهذا الذي قاله رئيس الفضائية العربية، سمعته من كثير من الشباب الحركي، وهو واقع لا ينكره إلا من ينكر الشمس في وسط النهار ليس دونها سحاب. وأقول: هذا المسلك هو أحد الأسس التي تقوم عليها الفتن، وهو البيئة التي تستفيد منها التنظيمات الهالكة كـ"داعش والقاعدة" ونحوهما. لأن تلك التنظيمات تحب الإمعة الذي ينفذ ما يقال له، دون مناقشة، فهو على استعداد أن يبغض شخصا لا يعرفه، ولا يعرف له خطأ، إلا ما يكذب عليه: أنه ضد الدين، وضد الشباب، وضد الدعوة. وإذا قال رئيس الحزب: نحن نحب فلانا، فإن الحزب يحبونه، وإن كان ضد العقيدة والوطن. هذه الطاعة العمياء للجماعات والأحزاب، وهذه الاصطفافات الحزبية الحركية، تخالف الكتاب والسنة، وتخالف منهج الصحابة وأئمة المسلمين، والعلماء الراسخين، وتحدث جيلا يستفيد منه أعداء الإسلام والمسلمين. وكثير ممن بلي بهذه التربية الحزبية: دخل بها ولم يستطع الخلاص، فصار إمعة لا رأي له، يقول ما لا يفهم، وشعاره: سمعت الحزب يقولون شيئا فقلته. وبعضهم: نجّاه الله منها، ولزم جادة السلف الصالح، وذلك من فضل الله عليه. وبعضهم: صارت لديه ردة فعل، فصار في الطرف المقابل "الليبرالي"، بسبب توهمه أن تدين الناس الفطري، هو مثل ما كان عليه أصحابه الحزبيون المتناقضون. وبعضهم: التحق بالتنظيمات الهالكة، لأنها موافقة للتبعية التي تربى عليها. والمعصوم من عصمه الله، والموفق من وفقه الله، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. ونتائج هذه الحزبية البغيضة، على الدين والمجتمع، توجب على شباب المسلمين أن يحذروها، فقد نهانا ربنا عن هذه الحزبيات التي تفرق الدين، لأنها من سنن المشركين، يقول الله تعالى: "ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون". وأمرنا ربنا بطاعة ولاة الأمور، وليس قادة الأحزاب، فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرسول وأولي الأمر منكم"، وأوصانا نبينا -عليه الصلاة والسلام- بوصية نافعة، فيها صلاحنا في الدنيا والآخرة فقال عليه الصلاة والسلام: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم". وليعلم الشباب: أن قادة الأحزاب، لا يهمهم إلا أنفسهم، ولا شأن لهم في أي واد هلك الشباب، وقد قرأت لأحدهم مقالا، نقل فيه ما يشعر بعدم أهمية الشباب الأتباع الذين وصفهم بالغوغاء، فقال: "نعم الغوغاء يسد بهم السيل، ويشغب بهم على ولاة السوء". هذه مكانة الشباب عند قادة الأحزاب، كقطع الخشب يسد بهم السيل، لأنه لا قيمة لهم عندهم. وإذا أرادوا مكاسب من الولاة ولم ينفذ طلبهم، أطلقوا عليهم الشباب ليشغبوا عليهم، ووصفهم بالسوء، لأنه من القوم الذين أحدهم: إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط. وإني أربأ بالشباب، أن يكونوا أداة لأهل الأهواء، وقادة الأحزاب. لقد كرمهم الله تعالى بالإسلام، وبنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- والنجاة كل النجاة أن يطيعوا الله ورسوله، ولا يطيعوا الأحزاب والجماعات، فإن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: شاب نشأ في طاعة الله. لاحظ "في طاعة الله"، وليس في طاعة فلان وعلان. والمأمول: من أهل العلم وأساتذة الجامعات والمدارس أن يربوا في الطلاب التفكير الناقد، والمناقشة، وسماع ما عند الآخر، ثم عرضه على الدليل، فالحق يُقبل مهما كان قائله، والباطل يُرد مهما كان قائله. لقد ضرب شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله- أروع الأمثلة في ذلك: فقد قام أحد الطلاب وألقى قصيدة على الشيخ، جاء فيها: ما دام ابن عثيمين فينا. فأوقفه الشيخ -رحمه الله- وقال: قل ما دام فينا الكتاب والسنة. لا تتعلقوا بالأشخاص، ولا تعلقوا الحق بالأشخاص. الأشخاص يموتون وقد يضلون وقد، وقد، وقد، اربطوا الناس بالدليل. إذا علقنا الحق بالأشخاص مات الحق بموتهم. رحمه الله تعالى. وكنت حاضرا الدرس عنده في مسجده في عنيزة قبل ثلاثين عاما وكنت آنذاك طالبا في كلية الشريعة وأصول الدين، وذكر مسألة هل يقدم المصلي عند نزوله للسجود ركبتيه أو يديه، فعرض أدلة كل قول، واختار أن الراجح أن يقدم الركبتين. ثم قال : لو رأيت أحدا يخالفني ويقدم يديه قبل ركبتيه لمقتضى الدليل عنده، فهو أحب عندي من الذي يقدم ركبتيه دون دليل، وإنما فقط متابعة لي. ثم قال: أنا والذي يقدم يديه قبل ركبتيه متفقان . فقلنا: كيف ذلك، وأنت تقدم الركبتين، وهو يخالفك يقدم اليدين، أين الاتفاق؟ فقال: هو عمل بقوله تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" فلم يجاملني، وإنما رده إلى الله والرسول. وأنا لم أجامله وإنما رددته إلى الله والرسول عملا بقوله تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول". وعليه: نحن متفقان، لسنا مختلفين. رحمه الله رحمة واسعة، هذه هي التربية السلفية، التي تعمل الفكر، وتعتمد على الكتاب والسنة، وعدم التبعية للأشخاص، وليست تربية الأحزاب، الذين يرضون عن من يوافقهم وإن كان جاهلا سفيها، ويغضبون على من يخالفهم، وإن كان عالما مجتهدا يدور مع الدليل، فيحمدون من لم يحمده الله ورسوله، ويذمون من لم يذمه الله ورسوله، وبالتالي فإن الولاء والبراء عندهم، ليس على دين الله ورسوله، وإنما على أهواء أنفسهم.
مشاركة :