قال مراقبون ورؤساء شركات معنية بالقطاع العقاري إن ارتفاع أسعار الأراضي وتكلفة البناء والتمويل تقف بوجه الإسكان المتوسط، لافتين إلى أنه وعلى الرغم من قلة اللاعبين العقاريين الذين قرروا مؤخرا تطوير وحدات سكنية لذوي الدخل المتوسط مقارنة بالعدد الهائل لمطوري العقارات الفاخرة، إلا أن التفاؤل يكبر بتراجع وتيرة التحديات التي تواجهها السوق العقارية بدبي بسبب قلة المعروض الذي يلبي متطلبات سكن تلك الشريحة، وهي تواجه متاعب الإيجارات بالانتقال إلى تملك الوحدات السكنية المناسبة لملاءتهم المالية. اللافت في المشهد العقاري بحسب استطلاع أجراه (البيان الاقتصادي) أن الهوامش الربحية لمطوري العقارات المتوسطة لا تقل عن نظيرتها التي تجنيها الشركات المولعة بتطوير العقارات الفاخرة حصرا. وبينما (يتضخم) عدد الشركات التي تبني عقارات للأغنياء والميسورين حتى أصبح عبئا على الشركات المكورة ذاتها في عمليات التسويق فإن عدد مطوري العقارات المتوسطة يتزايد بهدوء. تفسيرات تكابر بعض الشركات العقارية في تفسير أسباب الهدوء الذي يعقب إطلاقها لمشاريع فاخرة في الوقت الذي يمزق ذلك الهدوء ضجيج شركات ترفع على مشاريعها لافتات (بيعت بالكامل) لا لأنها (أقوى) بقدر ما هي (أسرع) في الاستجابة إلى متطلبات السوق العقارية المتجهة حتما لشريحة الدخل المتوسط لتلبية استحقاقات النمو المستقبلي للإمارة من جهة وللوفاء بالتزاماتها في استضافة تاريخية لإكسبو 2020 من جهة أخرى. ويتفق مسؤولون ومدراء ورؤساء شركات عاملة معنية بالقطاع العقاري على أن حصول شريحة ذوي الدخل المتوسط على تملك وحدة سكنية بسعر مناسب يعد تحديا تواجهه العائلات في دبي وفي أي مدينة عالمية على حد سواء. ولا يستغرب هؤلاء من أن يكون لمطوري العقارات الفاخرة وجهة نظر مغايرة لتلك التي يطرحها مطوري مشاريع الإسكان المتوسط. لكن كلا الفريقين يلتقيان عند مفهوم السوق الحرة المفتوحة التي حرصت عليها دبي طيلة العقود الماضية لتتيح للجميع العمل والتنافس على تحقيق العائدات عبر فلسفة اقتصادية تقوم على الجمع بين الخدمة وجودتها. وفي حالة السوق العقاري فإن قرار تطوير مشاريع فاخرة أو متوسطة أو الجمع بينهما يعود للمطور لا لغيره. ويقول سلطان بطي بن مجرن مدير عام دائرة أراضي وأملاك دبي إن السوق العقارية في دبي مستقرة وتشييد مشاريع تستهدف متوسطي الدخل يزيد من تنافسية السوق ويدعم استقراره. مؤكدا أن هذا النوع من المشاريع يضمن عوائد مجزية للشركات العقارية، لاسيما بسبب ما يتميز به سوق الإسكان المتوسط من استدامة الطلب وسعة وكبر المتعاملين فيه. تباين وبين متمسك بتطوير العقارات الفاخرة وآخر يتجه لتطوير العقارات المتوسطة تبرز دعوات لتدخل الحكومة كي تتدخل لتسريع تقويض تحديات نقص الإسكان المتوسط على غرار تدخلها الحكيم لكبح جماح أسعار الإيجارات قبل سنوات ولم تتأخر في مناقشة سبل مواجهة التضخم في أسعار الأراضي والعقارات في الإمارة، في سعي واضح منها لوضع ضوابط سعرية للعقارات وللأراضي ضمن مستويات معقولة ضامنة للنمو المستدام الذي تنشده من خلال كبح الراغبات المحركة لتضخم الأسعار العقارية إلا بنسب مقبولة تتماشى مع مستويات النمو الاقتصادي المنشودة للإمارة. جدوى يتقاسم أحمد المطروشي، العضو المنتدب لشركة إعمار العقارية وأحمد المري مدير عام شركة الاتحاد العقارية الرأي القائل إن تطوير المشاريع العقارية ليس عملا سهلا كما يعتقد البعض إذ إن أي قرار يتصل بتطوير هذا النوع من المشاريع دون غيره إنما يخضع ويدور في فلك معادلات تخص الشركة ذاتها وحركة السوق العقاري ومتطلباته وأدائه هذا غير ما يسبق اتخاذ القرار بصدد المشروع العقاري من دراسات جدوى اقتصادية تظهر على نحو واضح حجم المخاطر والفرص المتصلة بالمشروع. ويفسر المطروشي والمري الحصة المتواضعة لمشاريع الإسكان المتوسط بانها نتيجة توجه الغالبية العظمى من المطورين إلى ذلك النوع من المشاريع. ووصفاه بالتحدي الذي يمكن مواجهته عبر وسائل عدة أبرزها توفير أراض للتطوير من خلال السلطات المختصة شريطة أن تكون بأسعار تتناسب مع نوعية البناء وأن يجري إلزام القائمين على التشييد بإتاحة الوحدات السكنية بأسعار في متناول ذوي الدخل المتوسط. وفيما يبدو أنه تفسير غير مباشر لعدم قيام المطورين بالذهاب إلى مشاريع الإسكان المتوسط، تساءل المري هل يمكن لمطور عقاري تشييد وحدات سكنية بأسعار تنافسية على اراض اشتراها المطور بسعر باهظ؟موضحا أن ذلك يصعب حدوثه إلا إذا حصل على أرض بسعر مخفض أو مجاناً شريطة تطوير مشاريع عقارية في متناول المواطنين على سبيل المثال. ولمزيد من اليقين ذهبنا بالسؤال ذاته إلى داماك وسألناها : هل يقبل المطور العقاري بتطوير مشاريع لمتوسطي الدخل مثلما اعتاد على تطوير العقارات الفاخرة؟ وأجاب العضو المنتدب في شركة داماك العقارية زياد الشعار بابتسامة قائلا لا يوجد مطور عقاري سواء أكانت داماك أو غيرها متمنعة أو زاهدة بتطوير مشاريع لشريحة الدخل المتوسط لو لو توفر لها أراض بأسعار مدعومة لكن بالنسبة لداماك فقد اختارت أن تكون عنوان العقار الفخم في دبي والمنطقة وإذا ما دعينا إلى ذلك في إطار برنامج حكومي فبالتأكيد لن نتأخر لاسيما إذا كانت هناك سيناريوهات تذهب في اتجاه يحقق لكل طرف مبتغاه. سعر عادل وبالعودة إلى المطروشي فإن سعر البيع العادل للقدم المربع في عقارات الإسكان المتوسط يجب أن لا تتجاوز 400- 500 درهم للقدم المربع (الأسعار الحالية تتجاوز 800 درهم للمتوسطة و2500 درهم فأكثر للفاخرة). لكن بمقارنة سعر البيع العادل الذي يتحدث عنه المطروشي مع تكلفة البناء للقدم المربع في سوق المقاولات فإن الأمر لا يخلو من صعوبات وتحديات. وهكذا يرى المطروشي والمري والكثيرين أن مشاريع الإسكان المتوسط ستنمو ببطء ما لم تتدخل السلطات العليا على صعيد تخصيص الأراضي وإلزام المطورين ودعم المقاولين. ضد التدخل على الضفة الأخرى يقف رئيس مجلس إدارة نخيل العقارية علي راشد لوتاه ضد التدخل الحكومي مقابل طروحات مؤيدي التدخل الحكومي لبناء وحدات سكنية ميسرة، إذ قال ان دبي لا تملي على مطور ماذا يبني او لا يبني وإلى شريحة يبيع أو لا يبيع، وهي ترجمة لحرصها على آليات السوق الحرة التي انتهجتها ورسخت تجربتها الفريدة والناجحة فيها. وأوضح لوتاه أن المطور بإمكانه أن يجمع بين الأمرين ويطور الفاخر والمتوسط ونحن في نخيل نطور عقارات فاخرة تكاد تكون الأغلى في دبي لاسيما في نخلة جميرا إلا أننا في الوقت ذاته طورنا وندير محفظة إيجارات لأكثر من 10 آلاف وحدة سكنية يشغلها ذوو الدخل المتوسط، واليوم تعمل الشركة على تطوير 4000 وحدة سكنية في الواجهة البحرية فضلاً عن 1100 شقة تستهدف الشريحة ذاتها على مقربة من السوق الصيني، هذا غير قيام الشركة ببيع 10 أراض في المنطقة ذاتها لمطورين فرعيين ملزمين وفقا لمعايير الشركة ببناء مبان منخفضة الارتفاعات، وهي أيضا تضم وحدات سكنية تلبي حاجة تلك الشريحة. ويرى لوتاه أن التدخل الرسمي من عدمه أمر تقرره السلطات العليا وبالنسبة للشركة فهي تعمل على حماية مصالحها عبر تلبية متطلبات التنمية في الإمارة وتحقيق إيرادات مستدامة وهذا ما يحدث على ارض الواقع، إذ ان الشركة نجحت في إصابة أهدافها وتعمل على إرساء دعائم ذلك النجاح بقوة. وعبر لوتاه عن استغرابه من أقاويل يتحدث أصحابها عن أن المدينة أصبحت طاردة لذوي الدخل المحدود أو أن أصحاب الدخول المتوسطة غير قادرين على تحمل نفقات المعيشة ومن ضمنها الإيجار، وقال لوتاه إن دبي لم تعط ظهرها أو تغفل الاهتمام بتلك الشريحة السكانية العاملة والفاعلة في فعالياتها اليومية الحياتية والاقتصادية والأمر متروك لآليات العرض والطلب وبالنسبة للمطورين فهم لا يبنون وفق الأهواء بل طبقا لدراسات جدوى سوقية للعرض والطلب. وفسر لوتاه توجه المطورين للعقار الفاخر بأنه يعود لعاملين، الأول أن المشتري يتمـــتع بملاءة مالية قوية ويدفع نقدا، في المقابل ذو الدخل المتوسط يحـــتاج إلى تمويل وقد يتعرض إلى مشكــلات في السداد في أي وقت، أما العامل الثاني فيكمن في الطلب المتواصل على العقار الفاخر من قبل الميســورين من داخل وخارج الدولة. مكاسب من جهته يجزم الدكتور أحمد سيف بالحصا وهو رجل أعمال ويرأس جمعية المقاولين بالدولة بأن المكاسب الحقيقية والكبيرة التي يمكن اغتنامها من خلال تطوير مجمّعات مناسبة ومعقولة كجزء من بناء اقتصاد مجزّأ كبيرة، حيث تساهم فيه كل فئة للدخل في تحقيق التنمية الشاملة، والارتقاء بالسوق العقارية فيه. ولفت بالحصا إلى أن هذه المساكن تحقّق عوائد عالية للمستثمرين؛ فالارتفاعات في الإيجارات وأيضاً في المرافق المجتمعية مثل الرعاية الصحية والخدمات الترفيهية، يمكنها زيادة العوائد الإجمالية للمطوّرين ضمن مشروع سكني للطبقة المتوسطة. وأكد بالحصا على أن مشروعات متوسطي الدخل مهمة ويدعو غيابها إلى ضرورة تحرك جدي بشأنها في الوقت الذي نشهد فيه إحجام الشركات عن تطويرها بسبب ارتفاع الطلب على العقارات الفاخرة من جانب الميسورين الأجانب على وجه الخصوص. ولفت بالحصا إلى أن تجنب شركات التطوير العقاري لهذا النوع من المشاريع أسفر نقصا في المعروض، مقابل زيادة كبيرة في معدلات الطلب وقال إن حصة مشاريع الإسكان المتوسط لم تتجاوز 5% إلى 10% من إجمالي مشاريع شركات التطوير العقاري التي خصصت 90% إلى 95% من تلك المشروعات للعقارات الفاخرة، والسبب أن الأخيرة أسهل لاسيما الملاءة المالية للمشترين الذين يفضلون السداد نقدا بعيدا عن التمويل العقاري. يعتقد رئيس جمعية المقاولين بالدولة الدكتور أحمد بالحصا أن الطلب على الوحدات العقارية المتوسطة زاد بنحو 20% إلى 25% منذ أعوام وقد يرتفع ما لم يجري ضخ مشاريع من ذلك النوع. وأشار إلى أن دراسات ميدانية وتقارير غير رسمية للسوق العقارية المحلية ترجح استمرار نمو الطلب على هذه الوحدات خلال السنوات القليلة المقبلة، الأمر الذي يستدعي البحث في حلول ناجعة لها للفجوة بين العرض والطلب.
مشاركة :