كمال بالهادي عشية عيد الفطر، أعاد البريطانيون نكأ الجرح العراقي، عندما قدموا تقرير اللورد تشيلكوت حول مشاركة بريطانيا في احتلال العراق في العام 2003. ومن غرائب الصدف أن يتزامن صدور التقرير مع حدوث واحد من أعنف الهجمات الإرهابية الذي حصد نحو 300 قتيل، ومثلهم من الجرحى. تقرير اللورد تشيلكوت، لم يقدم في واقع الأمر شيئاً جديداً، فأدنى المتابعين لما وقع في العام 2003، يدرك أنه تم تحضير خطة لاحتلال العراق، وإسقاط نظامه، ثم تدميره اقتصادياً واجتماعياً، حتى يسهل تقسيمه، ثم تعميم النموذج العراقي على بقية الدول العربية، باستغلال التناقضات الاجتماعية والثقافية والطائفية، لنشر الفوضى وتخريب الوطن العربي. المزاعم التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، كولن باول، أمام مجلس الأمن حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، قبل ساعات من الشروع في تدمير العراق، كانت في واقع الأمر أكاذيب مفضوحة سرعان ما تبينت حقيقتها. واعترف المسؤولون الأمريكان بأنهم كذبوا على الشعب الأمريكي، وعلى العالم في ذلك اليوم المشهود الذي تحالفت فيه بريطانيا مع واشنطن، لتدمير بلد عربي كان مستقراً إلى حد ما. ووزير الحرب آنذاك دونالد رامسفيلد، قال إن البنتاغون قد أسست جهازاً سرياً للكذب بهدف تضليل الرأي العام الأمريكي الذي كان معارضاً للحرب. الاعترافات التي قدمها رئيس الحكومة البريطانية السابق، والاعتذارات التي يطلقها بعد خراب البصرة، لن تفيد العراقيين في شيء، ولن تصلح حالهم، ولن تعيد العراق ومدينة السلام بغداد إلى ما كانت عليه قبل الاحتلال. الجميع، وأولهم بلير، يعرف أن الحرب قامت على حزمة أكاذيب، وأن دوائر الاستخبارات التي كانت تأتمر بأمره هي التي كانت تهندس احتلال العراق، كما هندست مملكته في بداية القرن الماضي، تقسيم الوطن العربي، وبيع فلسطين للصهاينة. ويدرك بلير أن بلاده اقترفت أكثر من ذلك بكثير زمن استعمارها لشعوب الأرض في مشرق الكون ومغربه. وعليه، فإن دموع بلير على حال العراق اليوم، هي أشبه بدموع التماسيح، وليست أكثر من ذلك. الاحتلال بالنسبة إليهم قد حقق الهدف المنشود، والمخطط مسبقاً، وهو تدمير إحدى أقوى الدول العربية في ذلك الوقت من أجل نشر الفوضى الشاملة، التي تم الحديث عنها في مخططات صهيو- أنكلوسكسونية، لم تعد خافية على أحد. وغير ذلك من عبارات الأسف، ومن العبرات المتساقطة، هو مزيد من فتح الجروح، لإشعار الضحايا بمزيد من الألم. عندما يتم تقديم تقرير بمثل هذا الحجم عشية عيد الفطر، فذلك يعني تذكيراً بما حدث عشية عيد الأضحى من عام 2006، عندما تم إعدام الرئيس العراقي، وعندها قال منظرو الاحتلال، ومن بينهم بوش وبلير، إن العراق والعالم سيكونان أفضل من دون صدام حسين. لكن الأهم الآن، من التقرير الضخم الذي دام إعداده سبع سنوات كاملة لكشف حقيقة تورط حكومة بريطانيا في مقتل نحو مائتي عنصر من الجيش البريطاني، في حرب ظالمة، هو مصير هذا التقرير، فلا شيء في القانون البريطاني الداخلي، أو في المعاهدات التي وقعت عليها بريطانيا شيء يسمح بمتابعة قانونية لبلير. وليس هناك شيء في موازين السياسة الدولية يسمح بمحاكمة رئيس وزراء بريطانيا العظمى، على جرائم الحرب التي اقترفها، خاصة إذا كان الضحايا هم من العرب والمسلمين. ولو كان الأمر كذلك لأمكنت متابعة حكام دولة الكيان على جرائمهم التي يرتكبونها منذ نحو سبعة عقود في فلسطين المحتلة، ولأمكن متابعة جورج دبليو بوش، وطاقمه الحكومي، لذات الحرب التي شنت على العراق في العام 2003. مثل هذه التقارير التي تنشر لتحقيق في الجرائم يكون مآلها في نهاية الأمر، رفوف المكاتب، الحكومية أو لجان حقوق الإنسان الدولية. والقاتل يتمتع بحصانة، حسب مكانة دولته في عالم تحكمه موازين القوى المعروفة. ولذلك فإن كل الضجة التي أثارها تقرير تشيلكوت، ستهدأ لأن الجريمة الكبرى التي بنيت على باطل، لن تفيد العراقيين في شيء. ثمة لعبة دولية قذرة تستهدف الوطن العربي منذ عقود، وهذه اللعبة، انكشفت مع احتلال العراق، وبداية نشر نظرية الفوضى الخلاقة. ومهندسو هذه الفوضى يدركون أنهم في مأمن من كل متابعات جنائية دولية. وأن بلدانهم هي المستفيدة في الأخير.
مشاركة :