مضت في العالم العربي حقبة الانقلابات في ستينيات القرن الماضي وكانت ثمارها مرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان، ولم تتجدد الا في مصر (مع قول البعض إنه ليس انقلاباً !)، وكما كان العالم العربي كانت تركيا محكومة من الجيش ولم تتوقف الانقلابات الا بعد مجييء حزب العدالة والتنمية الذي اكتسب شرعيتين: شرعية الصندوق وشرعية الإنجاز . وهاتان الشرعيتان هما اللتان أفشلتا الانقلاب الأخير حيث دافع الناس عن صناديقهم التي عبروا من خلالها فقاموا بحماية رأيهم من أن تدوسه دبابة طامح أو طامع أو عميل. وما كان لهم الا أن يردوا جميل من خدمهم فقضى على مديونيتهم ومنحهم المزيد من الحرية وأعاد الجيش لهيبته وعمله الأصلي وهو حماية الدولة من العدو الخارجي. الدرس التركي سيكون مدرسة في الديموقراطية والسياسة والعمل الحزبي والدور الشعبي وهو درس قاس للعملاء المتطلعين ليكونوا أحجار شطرنج بيد القوى الخارجية. الانقلابيون هم لصوص وقتلة رأيناهم في قصر الرحاب في بغداد يوم ذبحوا بأسلحتهم سلطة شرعية لو بقيت لكانت العراق في ذروة الدول المتقدمة! والانقلابيون هم الذين دمروا سوريا حيث كانت بياناتهم جاهزة كل شهرين باتجاه الإذاعة للإعلان عن المنقذين المصححين مدعي الحرية! لقد تطور العالم وما عادت هذه اللغة مقبولة فالناس تعلمت والاتصالات تطورت ولم يعد هناك مجال للأسرار والغرف المغلقة في سفارات الدول الأجنبية! صار الناس يؤمنون بالإنجاز والتطور وبناء المداميك ولم يعد للتضليل والتسحيج مجال يذكر عند العقلاء والمتنورين. إن الحادث الأخير في تركيا قد شكل لجاماً لكل من يؤيد الانقلابات، فالسطو المسلح تمارسه العصابات، بينما المثقفون يؤمنون بالتحضر وتداول السلطة وحب البلاد والإعمار. وإن التنافس السياسي الشريف هو الطريق الوحيد للتغيير ، فمن جربه الناس نائباً أو حزباً أو رئيساً وكان صاحب عطاء فليستمر، ومن كان غير ذلك فليرحل ولكن عبر الصناديق. وأقول لكل من تسرع في تأيبد الانقلاب في تركيا: إنك مدان بلغة القانون لأن من يؤمن بالانقلابات في بلدان الآخرين فهو داع لها في بلده وهذا أمر يطاله القانون ويجعل صاحبه تحت طائلة المسؤولية.
مشاركة :