أصبح من المألوف أن يواجَه المفكر أو المثقف عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسيل من الشتائم والتسفيه والسخرية بسبب طرحه رأياً لا يتوافق مع قناعات العموم. ومن الطبيعي ألا تجد آراء المفكرين والمثقفين الجديدة قبولاً لدى عامة الناس؛ إما بسبب الموروث الاجتماعي أو الثقافة السائدة أو نتيجة للحشد الوعظي الحاد المقاوم لكل مستجد بحجة الابتداع! ومقاومة الجديد أمر ضارب بالقدم حيث رفض اليونانيون القدماء كل مستحدث لا توافقه الكنيسة، ويصل الأمر للتصفيات الجسدية بالقتل والحرق كي يوأد الرأي ويكون عبرة لمن يفكر بتحريك المياه الراكدة. ومن يخِض في القضايا الاجتماعية ويبدي رأيه المخالف للعموم فهو يدرك أنه كأنما دخل في عش الدبابير، وسيناله اللسع والوخز، لكن الأمر قد يتجاوز ذلك للشتم والسب والتشكيك في دينه وعقيدته ويصل للتكفير! عدا عن اتهامه بالتواصل مع جهات أجنبية والتحريض عليه اجتماعياً، وتناله وصمة لا تفارقه أبداً وتمتد لأسرته الصغيرة وعائلته الكبيرة! وطرح الرأي الجديد يتطلب صبراً جميلاً ومقاومة أنيقة بحيث يصبح المفكر وصاحب الرأي ذا جلد، ويتحمل ما يصيبه من أذى في سبيل طرح الفكرة ومحاولة تأصيلها والسعي لتفسيرها ومردودها للبشرية، وخير قدوة في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم حين صدع بالدعوة بعد عدة سنوات من السرية خوفاً من عدم تصديقها برغم سموها وما تحظى به من الدعم الإلهي. إن وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة أظهرت وجهاً كالحاً من فئات اجتماعية سامجة ووقحة تتعاطى مع القضايا المختَلف عليها بالشتم والسبّ من أشخاص يتخفون تحت أسماء مستعارة مما يبطل أهم جزئية بالنقاش والحوار وهي التكافؤ والمماثلة الفكرية، وغالباً تصدر ممن لم ينل قسطاً من التعليم والتربية والخلق الإسلامي الرفيع. ويقع صاحب الرأي في حيرة التعامل مع هذه النماذج البائسة التي تترك الفكرة جانباً وتشرع في الشخصنة! ويشاركهم في الحوار جيش من المشابهين لهم حتى ليأسى القارئ لهذا الغثاء ولو لم يكن طرفاً في الفكرة أو الحوار! ما أعرفه أن هذه العينات الدميمة لم تكن قط من نسيج المجتمع السعودي المتميز بالنقاشات المهذبة واللطيفة، حتى اشتهرت بمداخلات الحديث والتعليق عبارة غاية في الأدب وهي (ما هو لطم لواردك!) أي ليس تهميشاً لعباراتك الشيقة، مهما كانت الفكرة أو الأسلوب!
مشاركة :