يستمرئ كثير من الناس الحديث عن مثالب الآخرين وعيوبهم، وحتى إنجازاتهم، والتقليل منها أو السخرية بها، والشماتة فيهم حين وقوعهم في ورطة أو تعرُّضهم للفشل، أو أن يساء فَهم تصرفهم. وحين يتشارك أكثر من واحد في هذا الحديث فهي -بلا شك- (جلسة غيبة)، يتناول فيها المتحدثون وجبة دسمة، تبدأ بتمزيق لحم ذلك الغائب، وأكله دون طبخ! فيتحول ما يتناولون إلى جيفة سيئة الطعم كريهة الرائحة! ولا يكاد يخلو مجلس من هذه الأحاديث، حتى أولئك الذين يميلون للتقوى والورع؛ إذ يتم جرهم لذلك المستنقع الآسن بالرغم من مقاومتهم، وإن لم يفعلوا تتحول لحومهم مستقبلاً لوجبة ساخنة على مائدة الغيبة! ولا تعدو بواعث الغيبة إلا من الحسد والحقد والرغبة بالهمز واللمز، أو احتقار المغتاب والسخرية منه والتقليل من شأنه! أو لأنه لم يكن على هوى المغتاب ورغباته! والغيبة توقدها المحاكاة والمجاراة لمحدثي السوء في مجالس الشر، وتحسنها الموافقة، ويجملها التناغم والانسجام بين المتحدثين، سواء كانوا في مجالس الفرح والأعراس، أو الحزن والمآتم! ولا تنحصر الغيبة بهيئة الشخص وشكله وخلقه، أو ماله أو أولاده، أو زوجته، بل يصل الأمر لوالديه وسكنه وطبيعة عمله. والعجيب أنها قد تتلبس بمظهر الشفقة والرحمة، أو يرتدي ممارسها صفة الناصح الخائف على مصير الشخص الآخر، وإن كان دافعها في الواقع الغضب والحنق! ولستُ أرى علاجًا لها سوى الاستقامة في الحديث، والإرادة القوية بحفظ اللسان، ومقاومة الانقياد للأحاديث التي تتناول الناس، ومحاولة ملك اللسان، فمن ملكه فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه. وهي ديون؛ فكلما تحدثت عن الآخرين بسوء توقع أن يتحدثوا عنك بأسوأ، وإن لم تفعل فقد تفوقت عليهم.. فانشغل بنفسك، ودعهم يتحدثون عن نجاحك، وانعم بتفوقك!
مشاركة :