جرّت بلديات المدن والقرى على الناس خلال الأربعة عقود الماضية ويلات كبيرة في طريقة تخطيطها وتنظيمها للمساكن، وساهم صندوق التنمية العقارية بذلك، حين ألزم المقترضين ببناء مساكن بمساحات واسعة لا تقل عن 650 متر مربع وكأنها مدارس أو ملاعب كرة قدم! بل فرضت ألا يقل امتداد المنزل عن20 مترا طوليا على الشارع وتنازلت تدريجياً حتى وصلت إلى 12.5 مترا بعد مجاملات للعقاريين لبناء (الدبلوكسات) فقلص العقاريون المساحات بدوافع اقتصادية وليست ببواعث توعوية وإرشادية للسكان! وترتب على هذا التخطيط السيئ كثرة الغرف ودورات المياه وحتى المطابخ، وبالتالي ارتفاع فواتير الطاقة، فالدور الأرضي يحوي مجلسين أحدهما للرجال والآخر للنساء مع دورتي مياه ومغاسل، ومداخل خاصة بالإضافة للصالة العائلية، وغرفة كبيرة مخصصة لطاولة الأكل، وهناك مطبخ داخلي لتجهيز القهوة والشاي وآخر خارجي لطبخ الوجبات، وفي الدور الثاني نفس عدد الغرف المخصصة لنوم كل شخص بمفرده مع حمام خاص لكل غرفة، وفي السطح غرفة الغسيل والكي وأخرى للخادمة مع دورتي مياه! وفي الساحة الخارجية ملحق خارجي مجهز وخيمة منصوبة بجانبه إضافة إلى غرفة السائق، ولا أبالغ بالقول إن أغلب المساكن السعودية على هذا الطابع إلا ماقل! وهو ما أغرى العائلة السعودية بكثرة الإنجاب وملء الغرف بالأطفال في ظل وضع اقتصادي قوي ورواتب ضخمة وبدلات هائلة! وأمام فوضى اتساع مساحات المساكن وكثرة الإنجاب؛ لم يكن بوسع ربة المنزل القيام بتنظيف أكثر من عشر غرف يومياً وترتيبها، والطبخ والغسيل ومجاهدة قبيلة من الأولاد؛ فكان لابد من الاستعانة بخادمة أو اثنتين لمقابلة هذا الجهد الهائل من الأعمال المنزلية المرهقة في ظل توالي حالات الغبار في المملكة! وقد لمست الدول المصدرة للعمالة حاجة الأسرة السعودية فاستغلت ذلك برفع رواتب مواطنيها حتى وصل راتب الخادمة لأكثر من 30 ألف ريال سنوياً ومثلها تكاليف الاستقدام ورسومه! ولعل الخطوة الأولى لترتيب المنزل السعودي وترشيد الاستهلاك هو الاستغناء عن الخادمات وتقليل استهلاك الطاقة والمياه وذلك بالتوجه للسكن في شقق مناسبة لعدد أفراد الأسرة والتخلي عن بعض الغرف المغلقة وإعادة النظر في الإنجاب المنفلت والتفكير بصحة وتعليم وتربية كل طفل قادم، وبحاجات المسنين للرعاية والاهتمام!
مشاركة :