إنَّ تنمية المجتمعات وبناءها، لا يتمَّان إلاَّ بمشاركة المرأة، ولا تتمُّ هذه المشاركة إلاَّ بمنح المرأة حقوقها كاملةً: دينيَّةً، ومدنيَّةً، واجتماعيَّةً، وماليَّةً، وسياسيَّةً، وثقافيَّةً، وتعليميَّةً، هذه الحقوق جميعها منحها إيَّاها الإسلام، ونالتها المرأة المسلمة كاملةً في العهدين: النبويّ، والراشديّ، وبنسب متفاوتة في ما تلاهما من عصور، ولكن المجتمعات الإسلاميَّة، بما فيها مجتمعنا السعودي، حرمتها من كثير من هذه الحقوق. هذا وتقوم رؤية المملكة (2030)على إحداث تحوُّل وتغيير في المجتمع ليتناسب معها، والمرأة عنصر فعَّال وأساس في هذا التحوُّل والتغيير، فهي شريك الرجل في البناء والتغيير، وبدونها لن يتمَّ التغيير والتحوُّل، ولكن كيف تستطيع المرأة السعوديَّة القيام بدورها، وهي لا تزال مقيَّدة إرادتها وحركتها، ولا تملك حقَّ تقرير مصيرها، واتِّخاذ أيِّ قرار يتعلَّق بأيِّ شأن من شؤونها؛ لأنّها بموجب الأنظمة والقوانين تحت وصاية ذكوريَّة أبديَّة، وكيف ستربّي أولادها على حريَّة اتِّخاذ القرار، وهي لا تملكه؟ إنَّ رؤية المملكة (2030) تعتبر الأسرة نواة المجتمع، فهي تمثِّل الحاضنة الأولى للأبناء، والراعي الرئيس لاحتياجاتهم، والحامي للمجتمع من التفكُّك. وكما جاء في الرؤية أنَّ أبرز ما يميِّز مجتمعنا التزامه بالمبادئ، والقيم الإسلاميَّة، وقوة روابطه الأسريَّة، وامتدادها؛ ممَّا يحثّنا على تزويد الأسرة بعوامل النجاح اللازمة لتمكينها من رعاية أبنائها، وتنمية ملكاتهم وقدراتهم، فكيف يتحقَّق تمكين الأسرة من رعاية أولادها، إن كانت الأم -العنصر الأساس في الأسرة- لا تتمتَّع بثقة مجتمعها فيها، فيضعها تحت الوصاية الذكوريَّة، وتعاني من تعنُّت وتسلُّط وقهر مَن جعلته أنظمة المجتمع وصيًّا عليها؟ فأهمُّ خطوة ينبغي اتِّباعها لتحقّق رؤية المملكة أهدافها، منح المرأة السعوديَّة كامل حقوقها التي منحها إيَّاها الخالق، وفي مقدمتها منحها الأهليَّة الكاملة، ورفع عنها كل أشكال الوصاية الذكوريَّة، فعلى أيّ أساس توضع المرأة تحت الوصاية الذكوريَّة، وهي في القرآن كاملة الأهليَّة، مثلها مثل الرجل تمامًا، فهي شريكة معه في تحمَّل أمانة الاستخلاف (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) وقد أكَّد القرآن على شخصيتها، وكمال أهليتها (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى* والنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى* وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى* فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) وجعل البيعة لا تتم إلاَّ ببيعة المرأة، فجاء الخطاب في الآية بصيغة جمع المؤنث، وليس بصيغة العموم، كما هو الغالب في الخطاب القرآني: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شيئًا.... فَبَايعْهُنَّ) وأكَّد على مساواتها بالرجل في الولاية بذكر المؤمنات على التخصيص (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، ومساواتها في الشورى، فقد جاءت آيتا الشورى بصيغة العموم (وَشَاوِرْهُم في الأَمْرِ)، (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، وفي إجارة المحارب (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)، وفي الأهليَّة الماليَّة (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ)، وفي المسؤوليَّة الجنائيَّة (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ)، أمَّا القوامة فلا تعني الوصاية، وإنَّما خدمة ورعاية وتلبية احتياجات مَن هم قوَّام عليهن، وهي مشروطة بشرطي الإنفاق، والأهليَّة، وهي ليست عامَّة، ولا مطلقة، وإنَّما محصورة في مَن هنَّ منفق عليهنَّ من أهل بيته. suhaila_hammad@hotmail.com
مشاركة :