قال الشيخ أحمد مهنا السيسي في خطبة الجمعة بجامع أبوحامد الغزالي: لقد ابتليت أمةُ الإسلام عبرَ تاريخها -بالرغم من فتوحاتها وانتصاراتها- بفتن ومحن وكروب، كان من أشدها ضراوة تلك الفتنة التي حذر منها رحمةُ الله للعالمين رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ألا وهي بدعة الخوارج، من يكفرون المسلمين بالكبائر، ثم يستبيحون دماءهم وأموالهم وأعراضهم خارجين على ولاةِ أمورِهم بالسلاح، فهم شرُّ خلق الله، وفتنتهم من أخطر الفتن إيقاعا بالبسطاء، لأنهم يُلبسونها عباءة الدينِ والجهادِ لإعلاء كلمة الله، والغيرة على المحارم وإنكار المنكر، فينجذب إليهم حدثاءُ الأسنان سفهاءُ الأحلام، فيوردونهم المهالك، فتخرب البلاد ويروع العباد.. وعن علي (رضي الله عنه) قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسلام كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ...) متفق عليه. وفي حديث آخر قال: (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإسلام وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ..)، ومن أشهر صفات الخوارج: الجرأة على علماء الأمة وسادتها، بل الجرأة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كما قال ذُو الْخُوَيْصِرَةِ: يَا رَسُولَ اللهِ: اعْدِلْ فإنك لم تعدل فيرد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ». وهذه الجرأةُ هي شعارُهم على مر التاريخ -بِدْءًا بالتطاول على مقامِ الرسولِ الكريم صلى الله عليه وسلم، وبهذا التطاول والجرأةُ استُبِيْحَتْ دماءُ أكابرِ الأمةِ وساداتِها؛ فقد كفَّروا خيرةَ صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم واستباحوا دماءَهم؛ فقد قتلوا الخليفة الراشد عثمان بن عفان والخليفة الراشد علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنهما، فأيُّ تطرف أشدَ من هذا خطورة! وانظروا كم ترتكب من الجرائم فضلا عن الإفساد في الأرض في عصرنا، ممن تبنى هذا الفكر وسار في ضلاله، وإن من أعظم صفات المجاهدين في سبيل الله أنهم أذلةٌ على المؤمنين أعزةٌ على الكافرين.. فأين خوارج عصرنا من هذه الصفة، الذين يقتلون أهل الإسلام ويمهدون الأرض لأعداء المسلمين، فهل أمثال هؤلاء مجاهدون وأنصارٌ للدين؟! لهذا، فإن مواجهةَ هذا الفكرِ الضالِ وتعريته وكشفه وتوعيةَ المسلمين بخطره وتحذيرهم من مداخله وبذلَ الوسع للقضاء على انتشار شرره واجب على الأمة لينهض كل على قدر مكانه ومكانته للقيام بدوره.. ففي عصرنا ظهر من استغلوا القرآن الكريم وطوعوه ليناسب أهواءهم، ولخدمة فكرهم وتوجههم للنيل من حكام المسلمين متهمينهم بالجور وعدم العدل.. يدغدغون بذلك عواطف العامة، ويصطادون الضعفاء وصولا إلى دمار الأوطان وخرابها كما هو مشاهد.. ومخالفين بذلك قول الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم». فقد علموا عظمَ مكانة القرآن الكريم لدى المسلمين وأنه محل تقديسهم الشديد، فاستغلوه فرفعوه بأيديهم كما رفعه أسلافهم على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه محتجين عليه بأنه حَكم الرجال، مطالبين بتحكيم القرآن! وسيدنا علي رضي الله عنه ما حكم الرجال إلا تطبيقا لقوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم)، فلا يزايد على أبي الحسن في علمه بكتاب الله إلا من ساء أدبُه وخبثت طويتُه. فهم دعاة الفتنة ومشعلوها عبر كل تاريخ الأمة، وما تَبَني الشعوبيين هذا الفكر ودعمهم للخوارج إلا للحقد الدفين في قلوبهم على العروبة ووعاء الإسلام وحملته وعلى علماء الامة المعتبرين ومشايخها، ففكر الخوارج والشعوبية وجهان لعملة واحدة؛ فكلاهما كانا أساس النكبات على الأمة عبر تاريخها. وهل من نصرة الدين ورفع لوائه أن تتخذ من عواصم أعداء الإسلام مراكز للتخطيط لدمار الأمة والخروج على ولاة أمرها، وحيث صدور الأوامر من هذه المراكز للأتباع ليغروا السذج والبسطاء للإيقاع بهم في حبائل الشر! «قل أعوذ برب الناسِ* ملك الناسِ* إله الناسِ* من شر الوسواس الخناسِ* الذي يوسوس في صدور الناسِ* من الجنة والناسِ*».
مشاركة :