لم نكن بحاجة إلى كل ذلك الجهد والعناء والزمن الطويل من الأخذ والرد، لنكتشف أننا أمام مسرحية هزلية، وضع مخرجوها نهايتها من بعيد، في صورة صدمت من خُدع وظن أن «للثعلب ديناً»، وكانت متوقعة لمن عرف وخبر خلفيات أولئك الممثلين الذين اجادوا أداء ادوارهم على خشبة مسرح الكويت. فبعد ثلاثة اشهر من متابعة مسرحية مفاوضات السلام اليمنية التي استضافتها الكويت، جاء الختام بعيداً جداً عن قاعات التفاوض في قصر بيان... جاء من صنعاء، وبحبكة دراماتيكية أحكم جوانبها المخلوع والانقلابي. ففيما استعادت المحادثات حركتها بعد عطلة العيد، وقد وضعت لها الكويت سقفاً زمنياً بأسبوعين للوصول إلى اتفاق، وإلا فإنها ستعتذر عن استمرار استضافة الحوار، وقبل أن تنتهي مهلة الأسبوعين، جاءت الأخبار من صنعاء بتشكيل مجلس سياسي جديد يقود اليمن، مؤلف من عشرة أعضاء مناصفة بين حزب الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح (المؤتمر الشعبي) وبين ميليشيا الانقلابي عبدالملك الحوثي، لتقضي على أي أمل بوصول محادثات الكويت إلى نتيجة، وليصاب المخدوعون ـ أمثال المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد ـ بالصدمة، بينما لم يفاجأ الخبراء بخلفية الانقلابيين وحليفهم الماكر، الذين صرحوا وكرروا بان المحادثات فاشلة ولن تصل إلى نتيجة، لتأتي أحداث الخميس الماضي لتؤكد صدقهم. إذن، فعلها صالح وحليفه الحوثي، وأعلناها بأن اليمن سيظل تحت سيطرتهما، وكأن لسان حالهما يقول للعالم «أعلى ما بخيلكم اركبوا»... فهما لم ينصاعا من البداية لقرار مجلس الأمن الرقم 2216 الذي ينص على انسحاب الميليشيات من المدن التي احتلتها وتسليم الأسلحة للدولة التي أطاحا برئيسها الشرعي عبد ربه منصور هادي، كما لم يستمعا إلى الوساطات السياسية للوصول إلى حل سياسي ينهي سيطرة الانقلابيين على السلطة واستعادة السلطة الشرعية. خطوة «عفاش وشريكه» الجديدة يجب ألا نفصلها عن المحيط الإقليمي الذي يعيش حالة من الغليان. فما كان لصالح والحوثي أن يقدما على خطوتهما الأخيرة ويعلنا عن تشكيل مجلس سياسي، يتولى الطرفان رئاسته بالتناوب، لو لم يأخذا الضوء الأخضر من الراعي الرسمي لانقلابهما، ونقصد به النظام الإيراني الذي يسعى إلى بث الفوضى في جوانب الخليج للوصول إلى مبتغاه. فميليشيا الحوثي وصالح ينفذان، منذ بدء تحركهما العسكري، الأجندة الإيرانية، ويمشيان وفق الطريقة التي رسمت لهما. وها قد جاءا أخيرا برصاصة الرحمة التي أطلقاها على آخر أمل بحل سياسي للأزمة اليمنية. الآن، وقد ظهرت الحقيقة جلية ناصعة، بعد تلاعب الانقلابيين بالعالم والأمم المتحدة، ماذا سيكون الرد؟ فلا قرار مجلس الأمن نفّذ، ولا مبعوثا الأمم المتحدة المتعاقبان ـ ولد الشيخ أحمد وقبل جمال بن عمر ـ استطاعا إقناع الحوثي - صالح بضرورة التوصل إلى حل سلمي، لتعود الكرة من جديد إلى ملعبي الأمم المتحدة والتحالف العربي لدعم الشرعية. ولعل الأخير يقع عليه العبء الأكبر في إنهاء الازمة عسكرياً، بعدما وصلت إلى طريق مسدود سياسياً. ويجب أن تدعم الأمم المتحدة هذا التحالف بقرارات دولية تعزز مهامه العسكرية، كما يجب أن تتضمن شيئاً خاصاً بإيران وتدخلها في شؤون اليمن ودول الخليج عامة. وهنا لا بد أن نلاحظ أن إيران من جهتها، صعّدت في مواقفها ضد دول الخليج في الآونة الأخيرة عسكرياً وإعلامياً، مستغلة حالة التخاذل العالمي في مواجهتها، ولاسيما في ملفات العراق وسورية ولبنان، وأخيرا اليمن. فقد وجّه إعلام إيران الرسمي وغير الرسمي، حملة أخيرا ضد صاحب السمو أمير البلاد، على خلفية كلمة سموه أمام القمة العربية في نواكشوط، التي دعا فيها إيران إلى احترام الجيران وعدم التدخل في شؤونهم، الداخلية، فما كان من ساسة طهران إلا ان اوعزوا إلى إعلامهم بمهاجمة سموه والإساءة إليه. وقبل ذلك، رأينا الرعاية الإيرانية الرسمية لأعمال التخريب والفوضى في البحرين والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، بعدها ما تابعناه من كشف الخلية الإرهابية التي كانت تستهدف أمن الكويت بكمات هائلة من الأسلحة تم تهريبها من إيران، وبتنسيق موظف رفيع المستوى في السفارة الإيرانية، هرب عندما علم بكشف الخلية. وها نحن نتابع، في الوقت الراهن، التحركات العسكرية المريبة لطهران في مياه الخليج، واختراقها المنطقة المغمورة السعودية - الكويتية، في تحدّ صارخ يدل على أننا أمام «سلوك بلطجي» يريد تطويع جيرانه وإخضاعهم لسلطته، وكأنه لم يكتف بما فعله في العراق وسورية ولبنان، ويريد أن ينفذ تهديدات أطلقتها أبواقه الإعلامية على امتداد سنوات، بأن ثورة الخميني ستنتشر حتى تصل إلى الحرمين الشريفين. خلاصة القول، إننا أمام تحرك رسمي إيراني عدواني تجاه دول الخليج، أصبح الآن علناً ومباشراً، بعدما كان عبر أتباعه وخلاياه، ولاسيما أنه ثبت جذوره في العراق، ثم انتقل جنوباً إلى اليمن، وأتبع ذلك بتحرك شرق الخليج، والهدف واضح وهو وضع منطقة الخليج تحت السيطرة الإيرانية، سواء في شكل مباشر او عبر عملائها كما هو الحال في العراق ولبنان. فهل وعت دول الخليج، المخطط الإيراني «الكسروي» أم أنها لا تزال مخدوعة وترجو من كروم الصبّار عنباً؟ h.alasidan@hotmail.com Dr.alasidan@
مشاركة :