بدأت الحروب الأهلية التي شنتها جماعة «داعش» الارهابية منذ بضع سنين وتركزت فعالياتها في العراق وسورية، ولم تسلم منها دول عديدة أخرى. منذ بداية فعاليات هذه الجماعة الغريبة، انطلقت التحليلات حول مؤسسها، فهناك من قال انها إسرائيلية وأميركية، وهناك من نسبها إلى دول عربية او مسلمة. تشخيص مؤسس هذه الجماعات، هو من اختصاص الدول التي تحاربها. أما بالنسبة لمختصي علم النفس وكذلك لعامة الناس، ما هو مهم ويشغل الاهتمام، ليس من أنشأ «داعش» أو من يمولها، بل ما يهمنا: لماذا انضم شبابنا لهذه المنظمة؟ وكيف سمحوا لأنفسهم بارتكاب أفظع الجرائم تحت مسمى الإسلام؟ وكيف نحمي شبابنا من الانضمام لهذه الحركات المتطرفة الوحشية؟ ففي الحقيقة ما شغل اغلب الناس خلال هذه الفترة، كان الجار، بينما الأهم في الموضوع هو الدار. فبغض النظر عن الممول والمنشئ للجماعة، الأعضاء هم من الداخل من العراق وسورية وبعض دول الخليج والصومال وليبيا وغيرها من الدول العربية او الاسلامية. تحليل هذه الظاهرة والبحث عن سبب انضمام الاشخاص لجماعة خارجة عن القيم والاعراف السائدة، يشمل نوعين من التحليل، الاول هو دراسة الأسباب النفسية التي تجعل شخصاً ما ينضم الى مجموعة كهذه. وأما النوع الثاني فهو التحليل الاجتماعي أي سيكولوجية الجماعة وما تؤدي اليه، وهي أسباب وأعراض مشتركة بين جميع الجماعات المتطرفة، سواء النازية الالمانية او الداعشية العربية. دوري كباحثة في علم النفس هو التحليل السيكولوجي او النفسي للموضوع والذي له أبعاد وأسباب مختلفة لا يسع هذا المقال المختصر التفصيل فيها، لكن قد تكون اهمها فقدان المعنى في الحياة والبحث عنه والحصول عليه في هذه الجماعات وان كان المعنى سلبياً ومدمراً. فحسب الدراسات الطولية التي قام بها العديد من علماء النفس لدراسة أسباب السعادة لدى الانسان، توصلوا الى أن ما يعطي الانسان الشعور بالسعادة لفترة أطول لا يتعدى بضع أمور أساسية، منها وجود معنى للحياة. فتحت ضغط هراوة الاستهلاكية تهشم المعنى للحياة حين صرف الوالدان معظم وقتهما في تأمين المزيد والمزيد من الاحتياجات الاستهلاكية والتي لا تتوقف عن نداء «هل من مزيد». وهذا على حساب ابتعادهم عن المنزل جسدياً ونفسياً، وبالتالي عدم تقديم معنى للحياة لأبنائهم، لذلك أصبحوا مستعدين لتلبية نداءات خارج المنزل التي تلبي لهم ما فقدوه. هذا النقص يخلق سبباً آخر يجعل الشباب ينتمون الى هذه الجماعات، وهو الحاجة للحب والانتماء. فالحزب والجماعة أياً كان هدفه ومسماه، سواء شيوعياً كان أو اسلامياً أو غيره، يلبي للأعضاء الحاجة للانتماء بأتم وجه، وهذا ما يجعل الأشخاص يستمرون في الحزب والجماعة حتى بعد اكتشافهم للدعاوى الباطلة او السلوكيات الوحشية داخل الحزب وخارجه. لذلك الأسرة التي لا تلبي هذه الاحتياجات لأبنائها، هي أكثر البيئات التي تخرج فدويين للحزب على حساب جميع القيم الأخرى. وانتماؤه لحزب يدمر او لحزب يبني ايضاً يعتمد على القيم الموجودة في الاسرة أو الأصدقاء أو الاعلام السائد في بلاده. اذاً لنتوقف قليلاً عن المشاجرات السياسية حول ممول «داعش» ومصدره وننتبه الى دارنا وأبنائنا والذين مسؤوليتهم تقع على عاتقنا. mosawi.75@gmail.com
مشاركة :