الشارقة: غيث خوري تركت التجارب الإبداعية التي قدمتها الشاعرات الإماراتيات عبر المراحل التاريخية المختلفة، بصمة متميزة في الساحة الثقافية عموماً وفي مسيرة الشعر الإماراتي خصوصاً، من خلال سعي الشاعرات الدؤوب نحو عوالم الشعر المختلفة ومحاولة تكوين حالة إبداعية تخص المرأة والمجتمع على حد سواء. في محاولة استقراء تجربة المرأة الإماراتية شعرياً، تظهر عدة إشكالات لا تقتصر على الإمارات فقط وإنما يمكن تعميها بشكل أو بآخر على مستوى الوطن العربي، كالإشكالية التي يحملها مصطلح الأدب النسوي ضمن الأجناس الأدبية الأخرى، وطبيعة التقاليد الشعرية النسائية في الإمارات من خلال تسليطها الضوء على الإطار الاجتماعي الثقافي والأشكال والموضوعات والقضايا الجمالية والأخلاقية. استطلعت الخليج آراء بعض الشاعرات الإماراتيات، حول واقع الشعر النسوي المحلي اليوم؟ وهل استطاعت المرأة أن تؤسس خطابها الثقافي والشامل؟، أم أنها ظلت حبيسة الموضوعات التي تخص المرأة وظروفها في المجتمع وتمردها عليها؟. قالت الشاعرة الهنوف محمد، إن المتابع للحركة الثقافية في الإمارات اليوم، وخصوصاً في مجال الشعر يلحظ وبوضوح عدم ظهور أصوات شعرية نسوية جديدة في الآونة الأخيرة، وأنا أتحدث هنا بالضبط عن مجال الشعر الفصيح (عمودي، تفعيلة، نثر) حيث إن الأسماء الموجودة اليوم ما زالت في الأغلب هي نفسها منذ وقت ليس بقصير، بينما في المقابل فإننا نرى أن الشعر الشعبي وضعه أفضل من الشعر الفصيح من حيث الحضور النسائي وظهور أصوات جديدة بشكل مستمر، ويمكن رد هذا الأمر إلى عدة اعتبارات أولها وأبرزها الجماهيرية العالية للشعر الشعبي الأمر الذي يعطي دافعاً أولياً للشاعرة للالتزام والتوجه نحو هذا النوع، المتلاحم مع الجماهير بعفويته، والذي كان لسان حالهم لسنوات طويلة معبراً عن آمالهم وآلامهم وطموحهم ومعاناتهم، في مقابل حضور جماهيري أقل في الشعر الفصيح، بدعوى أنه أصعب على المتلقي من حيث فهم الرسالة التي يريد الشاعر إيصالها، أو من حيث فقدان النغم والموسيقى (كما هو الحال في قصيدة النثر) التي اعتاد سماعهما في القصيدة النبطية. إضافة إلى ذلك، فإننا نجد أن الشاعرات اللواتي يكتبن بالفصحى، أصبح لهن اتجاهات أخرى سواء في الإعلام أو السينما أو المسرح، الأمر الذي زاد في غياب الصوت النسائي عن الحالة الشعرية في الإمارات وخاصة فيما يتعلق بإنتاج الشعر الفصيح. ورأت الهنوف فيما يخص الخطاب الشعري، أن كل تجربة تختلف من شاعرة إلى أخرى، ولا يمكن إضفاء طابع محدد وجامد للخطاب الشعري النسوي الإماراتي، من ناحية الموضوعات والسياقات، ولكن يمكن القول إن جزءاً لا بأس به من الأصوات النسوية بقي ضمن سياق التأملات والوجدانيات، وتوجيه الخطاب للرجل، ومحاولة انتزاع الاعتراف بالذات الإنسانية والإبداعية. واعتبرت الشاعرة صالحة غابش، أن مصطلح الأدب النسوي من المصطلحات التي أثير حولها العديد من التساؤلات، إذ بقي هذا المصطلح يعاني الرفض والتأييد لدى كثير من النقاد، وكذلك الأديبات والمبدعات، خصوصاً أن المصطلح يعد غامضاً وعصياً على التحديد، في غياب التصور النقدي الذي لم يصل بعد إلى مستوى دراسة هذه الظاهرة وتفكيكها، وفي ظل رفض المرأة لماهية هذه المصطلحات من مواقع ثقافية وسياسية واجتماعية، كي لا تعمق الدونية الملحقة بها. وأضافت أن دوافع الكتابة الإبداعية لدى المرأة العربية هي نفس الدوافع لدى الرجل، وإن محاولة التفريق على أساس غير منهجي هي محاولة قسرية لفرض تجنيس إبداعي للنص الإبداعي، فنحن عندما يجب أن نقيِّم أي نص شعري كان أو سردي، يجب عدم جعل جنس الكاتب محوراً مسبقاً وأساسياً في التعاطي مع النص. وتابعت غابش أنه بالنظر إلى المنتج الشعري النسوي في الإمارات يمكن ملاحظة مدى اتساع هذه التجربة وغناها من حيث التعبير والمفردات والمواضيع التي شملت كل الظروف الحياتية والمتغيرات التي شهدتها الدولة، أما فيما يتعلق بالشعر النسوي المرتبط أوالمتمحور حول المواضيع المتعلقة بالتنديد بتهميش المرأة، وباستمرار الضغوط الرجعية عليها، وعلى طرح الصورة الإنسانية البديلة لها من أجل تغيير وجهة النظر المضادة اتجاهها، فإن الشاعرة الإماراتية والعربية لم ولن تخرج عن سياقات التمرد على المجتمع والظرف، لأنه مهما حاولت أن تكتب في سياقها الاجتماعي بعيداً عن هذه المواضيع فلن تستطيع تجاهل الواقع الذي تعيشه لمدة طويلة، ولن تستطيع النظر خارج منظومة وطبيعة علاقاتها داخل المجتمع، ومواقفها ونظرتها للمجتمع والرجل، وليس بالضرورة أنها عندما تتكلم عن هذه الموضوعات أن توظفها ضمن منطق الصراع، سواء مع الرجل أو المجتمع، إنما هي تحاول تكوين نبضها وإحساسها الخاص. ومن جانبها اعتبرت الشاعرة شيخة المطيري، أن الشاعرة الإماراتية احتلت مكانة مرموقة في الحراك الشعري الإماراتي عبر مراحله المختلفة، وعبرت عن مجتمعها وأحواله، مستمدة مواضيع ولغة شعرها من موروثها العربي بشكل عام ومن الخليجي بشكل خاص. وقالت المطيري في الحقيقة لا أحب الفصل وتسمية الشعر بالنسوي لأن الشعر لغة عالمية وإنسانية، ولكل شاعر معجمه ومفرداته التي تمنحه علامته الخاصة.. وبالنسبة للشاعرة الإماراتية فقد كتبت في أغلب الموضوعات وطرقت كل طرق الحياة، وبمتابعة دواوين الشاعرات يظهر هذا بشكل جليّ وهي حين تكتب عما يخصها من مشاعر فهذا تعبير وجداني إنساني وكذلك يفعل الشاعر الرجل تمام. كما أن الملاحظ الموضوعي والدقيق يجد لدى الشاعرات الإماراتيات سواء من الجيل القادم أو الحديث، موضوعات السلام والمحبة والطفولة والوطن، وتوثيق التاريخ والحياة الاجتماعية وخير مثال جدة الشاعرات ابنة الماجدي بن ظاهر والشاعرة عوشة بنت خليفة فتاة العرب.
مشاركة :