هناك العديد من الكنوز التي نحظى بها في حياتنا والتي ليس بالضرورة أن تكون تلك الكنوز مادية، فالمحبة والتقدير والاحترام والوفاء هي كنوز ثمينة إذا وجدت في المجتمعات وسادت بين الناس ساهمت في نمو تلك المجتمعات وتطويرها وجعلها مجتمعات نموذجية. الثقة المتبادلة هي إحدى تلك الكنوز الثمينة وهي أساس التعامل في المجتمعات المدنية، فالوالد يثق فيمن حوله من أفراد أسرته، والرئيس يثق في موظفيه، والموظفون يثقون في رئيسهم وهكذا تمتد الثقة لتشمل كل فرد من أفراد المجتمع، فالثقة كنز ثمين إذ لا يمكن للحياة أن تسير وفق منهج صحيح إذا انعدمت هذه الثقة، بل لا يمكن أن يشعر الإنسان بالأمن والإطمئنان إذا شعر أنه لا يثق فيمن حوله أو شعر بأن الآخرين لا يثقون فيه ولا فيما يقول. عندما تنعدم الثقة يأتي الشك وسوء الظن والوهم والتوجس والخوف من الآخر وكل ذلك يوجب اتخاذ احتياطات متعددة ومبالغ فيها حرصًا على أن لا يقع الإنسان في مكائد أو مؤامرات تدبر له في الخفاء، وهناك العديد من مؤشرات إنعدام الثقة وفي مقدمتها الكذب، فمن يكذب لا يمكن أن يكون أهلاً لأن يمنح الثقة، فكيف يمكن أن يثق الناس في كذاب، ومن مؤشرات انعدام الثقة أن يخلف الإنسان ما يعد به، فكيف يمكن أن تعطي ثقتك لمن يعِدك بأمر ولا يفي بوعده، وبعض الناس يظهر أمامك وأمام الناس بمظهر وما أن يغادر المكان الذي أنت فيه إلا ويتغيّر بشكل مخالف تمامًا فهو متلون ومتقلب ومثل أولئك لا يمكن أن ينالوا الثقة. ومن مؤشرات انعدام الثقة عدم استطاعة الإنسان أن يعترف بأخطائه فتجده ينفي أي خطأ يرتكبه وأي نقص يعتريه ويؤكد لك أن كل أفعاله وأقواله صحيحة، ومثل هؤلاء لا يمكن أن يكسبوا ثقة أحد. انعدام الثقة داء خطير جداً يساهم في تدمير المجتمعات، ويؤدي إلى انتشار وسائل الرقابة والتجسس والرصد ويؤدي إلى التشكيك في كل ما يقدم وكل ما يطرح، وهذا كله يؤدي إلى تفكك المجتمعات وتنافر أفرادها وإثارة الفتن والفوضى فيما بينهم، وهناك فرق بين وسائل تحسين الجودة وتطوير الإنجاز ووسائل المراقبة والتحكم والسيطرة على الآخرين. نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى تعزيز الثقة فيما بيننا وذلك من خلال تحقيق الإنجازات والوفاء بالوعود والصدق والعدل والإنصاف في معاملاتنا المختلفة، وكل ذلك يحتاج منا إلى جهد كبير فليس بالسهولة أن تكسب ثقة الآخرين بل هي من أصعب الأشياء، والأصعب منه هو أن تحافظ على هذه الثقة وترفع من مستواها لنرتقي ونطوّر مجتمعنا. Ibrahim.badawood@gmail.com
مشاركة :